صوت الأمة:اعداد حبيبة زوغي
اليوم العالمي للمرأة 8 مارس، عيد النساء يوم للاعتراف بمنجزات المرأة ; وبأحلامها وآمالها التي ترفرف في سماء الحياة بكل مشاربها واتجاهاتها. في بعض الدول يعتبر 8 مارس يوم عطلة للنساء .8 مارس هل هو فعلا يوم تعبر فيه المرأة عن مطاليها وأحلامها و عن الإكراهات التي تعثر خطوها؟ أم أنه يوم كباقي أيام السنة، يعبر نهر الحياة فلا يغير من رتابتها شيء. يوم جد عادي لا شيء فيه يستحق الذكر. أم أنه مجرد وردة تهدى للنساء؛ وردة سرعان ما تذبل وتنتهي مدة صلاحيتها.
حينما ننصت لنبض الشارع نسمع صراخ نساء واستنكار أخريات؛ وسط هذه العتمة وهذا الضباب الذي يحجب الشمس نصادف امرأة تسرق منها حياتها عنوة بسبب وبغيره؛ وفي ردهات المجتمع تقبع نساء يمسحن دموعا سببها نساء أخريات.
ماذا تنتظر النساء من 8 مارس؟ هل هذا اليوم محطة تقييمية للماضي و للآتي؟ . هل حققت النساء ذواتهن أم ما زالت مقاربة النوع وصمة عار على جبين بعض المؤسسات.
لم نتحرر بعد من كون المرأة مجرد جسد؛ جسد يجب طمره وإبعاده عن اﻷنظار. من خلال استطلاع راي باقة من النساء و ثلة من الرجال سنحيط بهذا الموضوع و نقترب أكثر من تمثلات هذا اليوم الذي ربما لا تعيره عدة نساء أية أهمية أو اعتبار.
– أعشقكِ..
همَسَها في أذنها فافتر ثغرها عن ابتسامة خجولة. بريق تراقص ليحجُب حزنا سكن بين رموش عينيها.
– وماذا بعد؟! سألته بِحيرة متشحة بالخوف.
– انتِ البَعدُ وانتِ القَبْل.. وأنت الأبد. لا تخافي، ما هي إلا أيام قليلة، وتضمنا جدران بيت مثلما ضمت أحلامَنا جدرانُ مقصف الحي الجامعي ذات ذكرى.
ترنحت على موسيقى كلماته، ودغدغت نظراتُه مشاعرها حد الثمالة.
مر لقاؤهما بسرعة. اعتذر لها بسبب انشغالات تنتظره. ركب سيارته السوداء، وابتعد.
رنت ببصرها إلى الأفق البعيد ، حيث توارت السيارة. كانت على يقين انها تسترجع بريق حيويتها كلما التقته، رغم قلة هاته اللقاءات.
كفراشة حالمة، عادت ادراجها إلى البيت لا تلوي على شيء إلا على بعض من ذكريات جميلة لهما ترسبت في الذاكرة. والدها أمام التلفاز يجول العالم عبر القنوات في هلع من ارقام تصاعدية للوباء الذي استشرى في العالم وبدأ يدب رويدا رويدا في هذا البلد، ووالدتها تقرأ ما تيسر من الذكر الحكيم تضرعا لله ان ينزل رحمته على العباد…
دخلت غرفتها، استلقت على سريرها واستسلمت لنوم التحف سواد حزن تمدد إلى مفاصلها.
انفلج الصبح. لثمت خيوط الشمس الشاحبة أديم نافذة غرفتها.
رنين الهاتف أيقظها من أحلام تشبه كوابيس متناثرة كتمت انفاس تفاؤلها. إدارة المستشفى حيث تشتغل تخبرها بتعليق عطلتها السنوية بسبب ظهور بعض الحالات المحتمل إصابتها بفيريس كورونا القاتل، وتطالبها بالالتحاق الفوري بمقر عملها.
ارتدت ثيابها على عجل. اصاب والدتها الهلع وأرادت ثنيها عن الخروج إلا انها أقنعتها بضرورة تواجدها في مثل هاته الظروف التي يحتاج فيها الوطن إليها.
سارعت الخطو، فتحت حقيبة يدها. أخذت الهاتف وركبت الرقم الذي تحتفظ به في شغاف القلب منذ أيام دراستها، اعتذرت له عن عدم استطاعتها اللقاء به بسبب الطارئ المستجد. اقفل هاتفه دون ان يبدي حسرته على عدم رؤيتها.
لا تريد ان تستسلم لوساوس تصرفاته المتناقضة ومواقفه المريبة اتجاهها والتي اضحت تتكاثر كالفطر في حقل شكها. كلمح البصر، مرت السنون. وَعَدها ان تكون له الحبيبة والزوجة إلى الأبد، ما إن تتغير ظروفه الاجتماعية، فانتظرته السنة تلو الأخرى دون ان تعبأ بهمزات البعيد ولَمَزات القريب حين كانت تلتقيه في غفلة من الزمن. ترامت إلى اوصالها ارتعاشة خوف.
الدكاكين مقفلة والطرقات خالية إلا من دبابات الجيش و بعض موظفي المصالح الصحية يتجولون بمعداتهم لتعقيم شوارع المدينة في حالة استنفار قصوى..
أُجبِرت كغيرها من الممرضين والأطباء على الحجر الإلزامي داخل المستشفى تحسبا للطوارئ بسبب تزايد عدد المصابين يوما بعد يوم.
مر اسبوع الحظر عصيبا، رائحة الموت والخوف تفوح في ردهات المستشفى وبين أسرة المصابين.. لم تكن تسترجع حيوية روحها إلا أويقات تذرع فيها صفحات الفيس صعودا ونزولا بحثا عن صورة له أو رسائل قصيرة تتبادلها معه لتمدد بها لحظات تفاؤلها ضد شبح أصبح يطبق على الجميع.
في بهيم الليل، صمت مخيف داخل الجناح. أحست بتعرق شديد وسعال جاف أربكها. نهضت من الكرسي الذي ارتمت فيه بعد يوم مضني من العمل.. أحست بالارض تميد تحت قدميها. هرعت إلى الطبيب المسؤول. أكد لها إصابتها بالعدوى وضرورة إخضاعها للعزل الصحي..
ركبت رقمه.. على الطرف الثاني من الخط أجابها:
– الو حبيبتي، اشتقت إليك..
بوَهَن، اخبرته بإصابتها بالعدوى و بنبرة متوسلة أضافت:
– أحتاج ان أراك ولو عن بعد، أحتاجك جرعة امل ولو عبر الهواء…
اجابها صمت طويل. سألته بضعف وارتباك:
– ألو، اينك…. ثم أُقفِلَ الخط.
أعادت الاتصال، وجدت العلبة الصوتية تطالبها بالاتصال لاحقا..
توالت نوبات السعال الحاد. فتحت علبة رسائل الهاتف وكتبت له:
” معذرة ايها الوهم، كنت فقط احتاج إلى جرعة عشق في زمن الكورونا، ولو عبر فيديو الواتساب. شكرا لك”
أمينة غلاض قاصة وشاعرة
القنيطرة / المغرب