صوت الأمة:
تجد الفكرة المغاربية جذورها في فترة الكفاح المشترك ضد الاستعمار، وقد تبلورت الفكرة في أوائل القرن العشرين، وتطورت عقداً بعد عقدٍ، كما تعددت مراكز الدعوة إليها:
من اسطنبول في أوائل القرن، إلى باريس في العشرينات، ثم انتقلت إلى الأقطار المغاربية ذاتها في الثلاثينات. حيث أصبحت أحد الموجهات الرئيسية في عمل الحركات الوطنية المغاربية، كما وُضعت في صدارة برامج الجمعيات الثقافية والسياسية. وأصبحت، مع أوائل الخمسينات، الإطار المرجعي لحركة التحرر الوطني في المنطقة.
غير أنّ تجسيد الفكرة في صياغة محددة يعود إلى مؤتمر طنجة بتاريخ (أبريل1958) الذي ضم الأحزاب الرئيسية في المنطقة: حزب الاستقلال المغربي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، والحزب الدستوري الجديد التونسي.
وفي العام 1964 جرت محاولة لتطوير الفكرة المغاربية على قاعدة تعاون اقتصادي متدرج، فنشأت “اللجنة الاستشارية الدائمة للمغرب العربي”، ولكنها لم تفلح في مهمتها، فأصابها الشلل.
وفي يوم 17 فبراير 1989 وقّع رؤساء دول المغرب العربي الخمس (المملكة المغربية، والجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا) على معاهدة إنشاء “اتحاد المغرب العربي او الاتحاد المغاربي “، وذلك في مؤتمر عقدوه بمراكش. لكنّ الاتفاقات لم تُنفَّذ، بل جُمِّدت هياكل الاتحاد منذ سنة 1994 تاريخ آخر اجتماع لمجلس الرئاسة، الهيئة الوحيدة التي تتمتع بسلطة القرار في الاتحاد.
الاتحاد المغاربي إلى أين؟
سؤال بات تقليدياً ولكنه ما انفك يعود في كل مرة مع بروز تحديات جديدة، ليظل عالقاً في كل مرة من دون جواب مقنع حول الآفاق المستقبلية للاتحاد.
إنّ أكبر التحديات، التي تواجه منطقة المغرب الكبير تكمن في عدم قدرة الاقتصاديات المحلية على توفير فرص عمل كافية للشباب، ومخاطر الهجرة غير الشرعية نحو دول شمال البحر المتوسط، وارتفاع معدلات الفقر، إذ يقدر عدد الفقراء في المنطقة بنحو 18% من مجموع السكان، وكانت هذه النسبة لا تتجاوز الـ12% في بداية تسعينات القرن الماضي. كما تواجه الدول المغاربية مشكلة بطالة تقدر بين 17و35 %، ويصل حجم ديونها الإجمالية إلى 115 مليار دولار.
كما أنّ نزاع الصحراء المغربية المفتعل يشكل آخر مخلفات الحرب الباردة، وبين نقطتين متباعدتين وموقفين متعارضين، بين الجزائر والمغرب، تراوح القضية مكانها لأكثر من أربعة عقود. وبرغم أنّ الدولتين تواجهان مخاطر مشتركة مع تزايد خطر الإرهاب خصوصًا المناطق المتاخمة للجزائر الغير الامنة إضافة إلى مصلحتهما في تنشيط الاتحاد المغاربي، وهو ما يدفعهما باتجاه التقارب والتعاون لحل المشكلة الصحراوية و التي اصبح أكثر وضوحًا بعدما اخرجه المغرب من عنق الزجاجة بعد مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لإنهاء هذا الصراع الذي طال اكثر ، إلا أنّ تمسك الجزائر بموقفها الداعم لفصل الصحراء عن وطنها الام المملكة المغربية أدى إلى استمرار حالة الجمود الحالية.
وهكذا، لم يعد معقولاً ولا مقبولاً، ونحن نشاهد ما يجري في العالم من تغيّرات، و تجمعات إقتصادية أن نواصل التعامل مع قضايانا التاريخية وإشكالاتنا السياسية بالطرق التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم. فهل يُعقل أن لا تقيم النخب السياسية المغاربية، وبخاصة في الجزائر والمغرب، اليوم تمييزاً بين شروط نشأة وتطور أزمة الصحراء الغربية المغربية في لحظات تشكلها، وبين مآلها الراهن في علاقاته بالمتغيّرات الجارية، سواء في المغرب الكبير أو في العالم؟
و كانت هناك مبادرة شجاعة اقدم عليها الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي من أجل إنجاح مساعيه لتفعيل الاتحاد المغاربي .
أما حان الوقت لأن تبادر قوى المجتمع المدني إلى فك العزلة التي تطوق الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي بسبب جريمة إغلاق الحدود، وإلى أن تعمل على إطلاق مبادرات التواصل والتبادل؟
أليست هذه القوى مجتمعة مطالبة، اليوم، بلعب دور تاريخي من خلال بلورة رؤى مشتركة للتعاطي مع الإشكالات المستعصية التي تواجه الدول المغاربية: من فقر، وبطالة، وعنف سياسي، وحريات عامة، وإكراهات قادمة من الاقتصاد المفتوح وتدخل سافر للقوى الأجنبية في إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، وأزمة الهوية داخل المجتمع، والحركة المتنامية للمواطنة الباحثة عن حلول استعجالية لمعضلاتها، ومن ورائها القوى الاجتماعية بكل ألوان الطيف الذي تمثله، وعلى تقرير مصير الشعوب المغاربية.
وفي هذا السياق، من المفيد الاستئناس بمطالب “ميثاق مغرب الشعوب” الذي صادق عليه المنتدى الاجتماعي المغاربي في ختام دورته الأولى في 28 يوليوز2008 بالمغرب، ( وكان هذا اخر لقاء يخص المنطقة المغاربية) وبخاصة: فتح الحدود وحق الأشخاص في حرية التنقل داخل الفضاء المغاربي، والاندماج الاقتصادي للمنطقة المغاربية والتقسيم العادل للثروات، وتطوير الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحريات الفردية والعامة والدفاع عنها، وإرساء نظام تربوي مغاربي موحد يشجع على البحث العلمي المشترك مع تخصيص الإمكانيات الضرورية لتطويره، وحق المواطنين والمواطنات في التمتع بالخدمات العامة ذات الجودة.
ابو نعمة نسيب – كريتيبا – البرازيل