صوت الأمة:
بوشعيب جوال
طالب باحث بسلك الدكتوراه
تعتبر الحكامة الرشيدة آلية لدعم قيم التسامح والوسطية والاعتدال والانفتاح وترسيخها،باعتبارها تمثل منظومة القيم الأساسية الضرورية ليس فقط لتجفيف منابع التطرف الفكري، وتحصين المجتمعات من خطر الجماعات المتشددة التي تحاول بث سمومها وأفكارها الشاذة بين النشء والشباب، وإنما أيضا لبناء مجتمع مستقر ومتماسك عصري قادر على تحقيق التقدم والرفاهية لأبنائه والمساهمة الايجابية في مسيرة الحضارة الإنسانية، والمشاركة الفاعلة في تحقيق السلم الاجتماعي.
إذن فما هو دور الحكامة الرشيدة في ترسيخ وتدبير الشأن الديني بالمغرب؟
وما هي الآليات المعتمدة في ذلك؟ وإلى أي حد استطاعت هذه الآليات في تأطير وترشيد الشأن الديني بالمغرب؟
تعتبر الحكامة الرشيدة في المجال الديني آلية لتدبير وترشيد الشأن الديني بالمغرب بهدف نشر قيم الوسطية والاعتدال والتسامح، ونبذ كل أشكال العنف والتطرف ونشر التوعية الدينية وتحقيق الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى أنها دعامة أساسي لتحقيق التعايش والتكافل والتآزر والتعاون، في مواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة ،وتعزيز التعاون المحلي بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني،إقليميا ودوليا والعمل على توحيد الخطاب الديني داخل المملكة الشريفة وخارجها، ونشر قيم التسامح والتعايش بين الشعوب والثقافات باعتبارها المدخل الرئيسي للتصدي لقوى التطرف والإرهاب التي تتغذى على خداع البسطاء عبر شعارات زائفة لم تقدم لهم سوى الوهم والدمار والدم، كما أنها تقدم صورة حقيقية للدين الإسلامي الحنيف، باعتباره دين العلم والفكر والعقل والحوار والتسامح من أجل تعزيز التماسك وبناء الحصانة الذاتية ضد كل من يهدد التلاحم الوطني، و تعزيز قيم التعايش، ومفاهيم الاعتدال والأمن، والتعاون والاحترام والتراحم في المجتمع ، وترسيخ ثقافة الحوار ونشرها بين أفراد المجتمع بجميع فئاته، بما يحقق المصلحة العامة، ويحافظ على الوحدة لوطنية،.
والسلم بين البشر لا يكون بإلغاء الاختلافات، وإنما باحترامها عن طريق الحوار، ولذا سيظل التعايش والتفاهم والتعاون بين أتباع الأديان وسيلة فعالة من أجل بناء السلام وتحقيق الأمن وإقامة العلاقات السليمة بين الشعوب، واحترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية المنصوص عليها في العهود والمواثيق الدولية.
وترتكز الحكامة الرشيدة على مجموعة من الآليات والأسس بهدف تحقيق الأمن والسلم والسلام، ومن أهم هذه الآليات والأسس التي تهدف إلى تعزيز دور الحكامة الرشيدة في تدبير الشأن الديني مايلي :
أولا: الوسطية إن الوسطية حق وعدل وخير ومطلب شرعي أصيل ومقصد أسمى ومظهر حضاري رفيع، فهي أفضل الأمور وأنفعها للناس، وهي الاستواء والاستقامة والتوسط بين حالتين، بين مجاوزة الحد المشروع والقصور عنه.
ولا شك أن دين الإسلام دين حق ورحمة وسماحة، دين محبة وإخاء قال الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا”.
فالوسطية اختيار من الله لهذه الأمة ومنهج الله فيهم تكريم منه سبحانه لتحقيق الأمن والسلام بين الأفراد وزرع الثقة والطمأنينة والإحساس بالآخرين وتحقيق التعاون والتكافل بين الأغنياء والفقراء.
ثانيا: الاعتدال: لا شكَّ أنَّ الإسلام يتميز عن سائر الشعائر والمعتقدات بالاعتدال، بل إن منهجه قائمٌ على هذه الصفة في كل مجالاته، والاعتدال شعاره منذ أن أرسل الله الرسل بدين الحق، من لدن نوح -عليه السلام- إلى سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومن فضائل الإسلام أنه يدعو إلى الاقتصاد والاعتدال في التكاليف والأحكام، وذلك في نصوص شرعية صحيحة، لا تحتاج إلى تفسير، أو تأويل، قال تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وقال ايضا: «يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا».
ثم إن المنهج الذي جاء به القرآن الكريم إلى الحياة البشرية قائم على الاعتدال، في كل ما دعا إليه وأمر به وحث عليه، وهو الحكم العدل؛ الذي إن تمسك به الناس سلموا وسعدوا ونجوا في الدنيا والآخرة.
ولهذا ا نجد للاعتدال أثراً في كل حكم من أحكامه، وفي كل آية من آياته، ونلمس معانيه في مواضع لا تكاد تُحصى لكثرتها، وتنوعها، وتكررها في المضامين المختلفة، من أوامر ونواه، ومواعظ وزواجر، وأحكام وأخبار، ودعاء وطلب، وفقه وقصص، وتذكير وبيان
وإنها لدعوة إلى الاعتدال ونبذ الغلو والتطرف في مواجهة الآخرين، حتى يتم تبليغ الرسالة على وجهها الصحيح.
وخلاصة القول فإن الحكامة الرشيدة لها دور أساسي في ترسيخ الشأن الديني بالمغرب ونشر ثقافة الحوار والتسامح ونبذ كل أشكال العنف والتطرق وخلق أواصر المحبة والتسامح والانفتاح داخل المجتمع وخارجه في إطار الثوابت الدينية الأربعة المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني وإمارة المؤمنين.