صوت الأمة:
الرباط – يشكل الاحتفاء بالذكرى الـ18 لإطلاق المبادرة الوطنية للتمية البشرية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مناسبة متجددة لتقييم مكاسب المرحلة الثالثة الرامية لتمكين الرأسمال البشري من تثمين كافة مؤهلاته، ودعم الفئات الهشة.
وتم توجيه برامج المبادرة، خلال هذه المرحلة، نحو مجالات نوعية للتدخل تهم، أساسا، تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية الاجتماعية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، ومواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، وتحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب، ثم الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة.
وتستفيد المرحلة الثالثة من المبادرة من غلاف مالي إجمالي قدره 18 مليار درهم على مدى خمس سنوات، سيتم توزيعه بصفة متوازنة بين البرامج الأربعة، حيث ستستفيد البرامج الثلاثة الأولى من 4 ملايير درهم على نحو متساو، فيما سترصد 6 ملايير درهم لبرنامج الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة.
وأقد أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس انطلاقة هذه المرحلة، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لعيد العرش المجيد، حيث أكد جلالته “… إن الشأن الاجتماعي يحظى عندي باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان… فإني أؤكد على التركيز على المبادرات المستعجلة في المجالات التالية… إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بتعزيز مكاسبها، وإعادة توجيه برامجها للنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، ودعم الفئات في وضعية صعبة، وإطلاق جيل جديد من المبادرات المدرة للدخل ولفرص الشغل”.
وبالعودة إلى تفاصيل البرامج الأربعة يعمل المحور المتصل بتدارك الخصاص في البنيات التحتية الأساسية على تقليص التفاوتات المسجلة على المستويين الاجتماعي والمجالي، و مواصلة المجهودات المبذولة في تطوير البنيات التحتية، وتسهيل الولوج للخدمات الأساسية خلال المرحلتين الأولى والثانية.
وفي هذا الإطار، يعمل البرنامج على تجهيز 24.000 دوار على مستوى التراب الوطني بالخدمات الأساسية، بما في ذلك الطرق و المسالك القروية والقناطر و توفير الماء الصالح للشرب والكهربة القروية والتعليم والصحة.
أما الشق المتعلق بمواكبة الفئات الهشة فيركز على حماية الطفولة والشباب، و دعم الادماج السوسيو- اقتصادي، و دعم الأشخاص المسنين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة. وهكذا، تواكب المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الأشخاص المستفيدين من برامجها داخل مراكز متخصصة تعمل على تحسين جودة الخدمات المقدمة داخلها خلال المرحلة الثالثة.
ومن هذا المنطلق، يتم الحرص على تسهيل التواصل والالتقاء بين مختلف الفاعلين عن طريق التشبيك ونشر قواعد الممارسات الجيدة، وذلك من خلال ثلاث رافعات، تتمثل في العناية وصيانة المباني والتجهيزات، و التدبير الأمثل للطاقة الاستيعابية للمراكز، تكوين وضمان احترافية الموارد البشرية المكلفة بالتأطير.
وبالنظر إلى ما تمثله البطالة والتفاوتات في الدخل من معيقات كبيرة للتنمية البشرية، جاء البرنامج الخاص بتحسين الدخل لتعزيز إدماج الشباب من أجل تحسين ظروف عيشهم وذويهم، وذلك من خلال الرفع من فرص التشغيل لدى هذه الفئة وتطوير الكفاءات، مع ملائمة قصوى بين المتطلبات والمناصب وتسهيل ولوجها لموارد التمويل، فضلا عن إحداث إطار يشجع على التنسيق بين مختلف الفاعلين خاصة على المستوى الاقليمي.
وبحسب المعطيات الصادرة عن آخر آجتماع للجنة القيادة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لاسيما تلك المتعلقة بحصيلة برنامج منصات الشباب التي يتم إحداثها، في إطار هذا البرنامج الثالث، بكافة جهات المملكة، استفاد أزيد من 100 ألف شاب من خدمات هذه المنصات، البالغ عددها 99 منصة.
وتتمثل أبرز مهام هذه المنصات في استقبال الشباب والإنصات إلى انشغالاتهم، وتقديم خدمات التوجيه للباحثين عن العمل وإلى حاملي المشاريع في أفق تحسين الدخل وتحقيق الإدماج الاقتصادي لفائدة هذه الفئة.
وعبر مختلف مشاريع البرنامج الرابع من هذه المرحلة، المتعلق بالنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، تعمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على تخصيص مواكبة خاصة للأفراد خلال المراحل الحاسمة من الحياة، عبر التركيز على أربعة محاور؛ صحة الأم والطفل، وتغذية الأم والطفل، والتعليم الأولي، والتفتح والتفوق المدرسي.
وفي هذا الصدد، تكشف أرقام الاجتماع الأخير للجنة القيادة أن هذا البرنامج قطع أشواطا كبيرة، في مجال تعميم تعليم أولي ذي جودة بالمناطق القروية، وذلك بفضل الشراكة القائمة بين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
وبحسب أرقام اللجنة المعنية، مكنت هذه الشراكة من الرفع من نسبة تمدرس الأطفال التي انتقلت من 47 بالمائة سنة 2018 إلى 73 بالمائة في 2021، فيما كان الأثر ملموسا، على الخصوص، بالعالم القروي، إذ انتقلت النسبة من 33 إلى 62 بالمائة خلال الفترة ذاتها، واستفاد منها أزيد من 137 ألف طفل منذ إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية.
وبفضل تجربتها الميدانية الطويلة، نجحت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في أن تتموقع كقطب جامع غير مسبوق، باعتبارها ملتقى للسياسات العمومية، ولمبادرات المجتمع المدني ودعم الشركاء في مجال التنمية.
هذه التوليفة بين القدرة على تحقيق تضافر الجهود، والابتكار والانخراط بشكل متضامن – وجماعاتي- في إطار مشاريع تنموية تشكل جوهر قوة وتفرد النموذج الذي تحمله المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
هذا الاهتمام المتنامي الذي تخص به المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكافة الفاعلين في مجال التنمية البشرية الرأسمال البشري، والشباب على وجه الخصوص، يستلزم من هذه الشريحة ، أكثر من أي وقت مضى ، الانخراط في هذه الدينامية، باعتبارها قوة حية في بناء مغرب، مزدهر، ،منفتح ومتضامن في الآن نفسه.