صوت الأمة:
بقلم : المصطفى دراكي
لم تعد حوادث العنف ضد الأساتذة داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها مجرد حالات معزولة، بل أصبحت ظاهرة تتسع رقعتها عامًا بعد عام، في مشهد يعكس خللًا عميقًا في المنظومة التربوية والاجتماعية والقيمية .
خلال السنوات الأخيرة، تصدرت عناوين الأخبار وقائع صادمة، كان آخرها حادثة الأستاذة بمدينة أرفود، التي لقيت حتفها أمس الأحد 12 أبريل 2025 إثر اعتداء بألة حادة من طرف أحد تلامذتها ، في واقعة هزت الضمير الجماعي للمغاربة، وطرحت من جديد سؤال “من يحمي الأستاذ؟”.
هذا الانزلاق الخطير في علاقة المتعلم بالأستاذ لم يأتِ من فراغ. فتحتَ تأثير ما بات يُعرف بـ”ثقافة التفاهة”، والتي تروج لها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، أصبحت قيمة رجل التعليم تتآكل في المخيال الجمعي، خاصة لدى فئة المراهقين. نماذج التافهين يتصدرون واجهات الشهرة، بينما يُقابل المعلم بالسخرية والاستهزاء، سواء داخل الفصل أو على المنصات الرقمية.
ويزيد الطين بلة، واقع اجتماعي مأزوم، تغذيه معدلات الفقر، والبطالة، والتفكك الأسري، وارتفاع نسب الطلاق، حيث يكبر الكثير من الأطفال في بيئات تفتقد إلى الاستقرار النفسي والعاطفي. وعندما يدخل هؤلاء الأطفال إلى المؤسسات التعليمية، يحملون معهم قلقهم وغضبهم، ويجدون أحيانًا في الأساتذة أهدافًا لتفريغ العنف المكبوت.
ورغم صعوبة الأوضاع، يجد الأستاذ نفسه مُقيدًا بترسانة قانونية تركز بالأساس على حماية المتعلم، دون أن تضمن له في المقابل الحماية الكافية. بل في بعض الحالات، يشعر التلميذ أن القانون إلى جانبه بشكل غير مشروط، مما يشجعه على التمادي في سلوكيات عدوانية، في ظل محدودية سلطات التأديب لدى الهيئة التربوية.
في ظل هذا السياق المتدهور، بات من الضروري دق ناقوس الخطر، فالعنف الموجه ضد الأساتذة لا يمس فقط كرامتهم، بل يهدد فعليًا المدرسة المغربية في جوهرها. ولا سبيل لمواجهة هذا الواقع إلا بإعادة الاعتبار لصورة الأستاذ، وتشجيع القيم التربوية الإيجابية في الإعلام والمدرسة والأسرة، وتوفير الدعم النفسي داخل المؤسسات، إلى جانب إصلاح تشريعي يُوازن بين حماية المتعلم وصون كرامة الأستاذ.
الأستاذ ليس عدوًا، بل صانع أمل. وإذا ضاعت هيبته، ضاع معه مستقبل أجيال بأكملها.