صوت الأمة:
بقلم: المصطفى دراݣي
في زمنٍ تُرفع فيه راياتُ الحياد وتُصدح فيه الشعاراتُ بالموضوعية، تسقط بعض المنابر الإعلامية في مستنقع الانتقائية، وتتخلى عن ميثاق الشرف الصحفي لتخوض حربًا ناعمة على بلدانٍ بعينها، تحت عباءة “الرأي والرأي الآخر”. ولعلّ ما تقوم به قناة الجزيرة من حملة ممنهجة ضد الموانئ المغربية خير دليل على ذلك التناقض الصارخ بين القول والفعل، بين الشعار والمحتوى.
قناة الجزيرة، التي لطالما قدّمت نفسها كمنصة للرأي المتوازن والطرح المتعدد، انزلقت مؤخرًا في مستنقع التشويه والتضليل، مستهدفة قطاعًا حيويًا من القطاعات الاقتصادية المغربية: الموانئ. فبدلًا من تسليط الضوء على النجاحات المغربية في تحديث البنية التحتية المينائية، وتطوير موانئ مثل طنجة المتوسط الذي أضحى بوابةً تجاريةً تربط إفريقيا بأوروبا والعالم، راحت القناة تبث تقارير سلبية، تلبس الحقائق ثوب التهويل، وتغلف الوقائع بغلاف من الريبة والاتهام.
فحينما تتحول عدسة الإعلام من كاشفة للحقيقة إلى أداة للتشويه، تغيب الأمانة وتحضر الأجندة. ولعلّ المتتبع لتقارير الجزيرة حول الموانئ المغربية يلمس نغمةً مريبةً، وتكرارًا مشبوهًا لمصطلحاتٍ تُفرغ الإنجازات من مضمونها، وتُظهر الصورة المضيئة بلونٍ رماديّ قاتم. هذا التحامل لا يمكن اعتباره صدفة، ولا يُمكن تفسيره بوجهة نظر مهنية، بل يبدو أقرب إلى استهداف سياسي مغطى برداء إعلامي.
المفارقة الصادمة أن قناة الجزيرة، التي تدّعي رفع لواء الشفافية وكشف المستور، تلوذ بصمتٍ مريب عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاقتصادية المتنامية بين قطر وإسرائيل، والتي لم تعد خافيةً على أحد. كما يغيب صوتها تمامًا حين يُذكر أن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، قاعدة “العديد”، تتمركز على الأراضي القطرية، وهي القاعدة ذاتها التي تشكل رأس الحربة في كثير من التدخلات العسكرية بالمنطقة.
فلماذا تغيب هذه القضايا الحساسة عن تقارير القناة؟ ولماذا لا تُفتح لها حلقات “الاتجاه المعاكس” ولا تحظى بصرخات المذيعين المتحمسين؟ أليست هذه ازدواجية فجّة تنسف المصداقية من جذورها؟
ليس من قبيل المصادفة أن يحقق المغرب تقدمًا لافتًا في مؤشرات التنافسية البحرية، وأن يحظى بإشادة دولية على مستوى البنية التحتية المينائية، في الوقت الذي تتكثف فيه التقارير السلبية من القناة نفسها. فهل هي حرب نفسية لفرملة النجاح؟ أم أنها مجرد زلة مهنية متكررة تفتقر للنية الحسنة؟
تبقى الحقيقة ناصعة كالشمس، لا تحجبها تقارير مغرضة ولا يطمسها حبرٌ مشبوه. فالمغرب، بثبات موانئه وصمود رجاله، ماضٍ في طريق البناء، لا تزعزعه حملات التشويه، ولا تلهيه صرخات المأجورين. فالرأي الحر لا يُصنع في غرف الأخبار المغلقة، بل ينبع من ضميرٍ حيّ لا يعرف الكيل بمكيالين.