أخر أخبار

بعد خمس سنوات من الإغلاق.. صهريج السواني يعود ليروي ظمأ العشاق ويُحيي ذاكرة مكناس

25 أبريل 2025
A+
A-

صوت الأمة: عبد الاله كبريتي
بعد انتظار طال أمده، وترقُّب سكن النفوس، عادت الحياة لتدبّ من جديد في ربوع صهريج السواني، القلب النابض للمعمار العلوي، والجوهرة الساكنة بين دروب التاريخ ومآثر الزمان، حيث أعيد افتتاحه رسمياً في وجه عموم سكان وزوار مدينة مكناس، بعد خمس سنوات من الإغلاق الذي فرضته أشغال الترميم والصيانة.
ففي لحظة امتزج فيها عبق الماضي بأمل المستقبل، استقبل الصهريج زائريه في حلّته الجديدة، وقد تزيّن بثوبه الأنيق، كعروس تُزف إلى عشاقها، تنثر الجمال في عيون الناظرين، وتبعث في الأرواح دفء الذكرى وصدق الانتماء. فـ”صهريج السواني” ليس مجرد خزان مائي، بل مرآة عاكسة لمجدٍ تليد، وبصمة شاهدة على عبقرية الهندسة المغربية الأصيلة.


منذ إغلاقه سنة 2019، ظلّ الصهريج صامتاً كأنه في حداد، يئنّ من شوقه لأقدام الزوار وهمسات العشاق ونبض الكاميرات، حتى انطلقت أشغال ترميمه ضمن مشروع شامل لتأهيل المعالم التاريخية للعاصمة الإسماعيلية، بإشراف من وزارة الثقافة والتواصل ومجموعة من الشركاء المحليين.
وقد شملت الأشغال تقوية البنية التحتية، وترميم الجدران المحيطة، وتحسين المسالك والمرافق السياحية، مع الحفاظ على الطابع المعماري العلوي، لضمان أصالة الموروث وكرامة المكان. وجاء الافتتاح تتويجاً لجهود متواصلة، ورسالة أمل بأن مكناس، كما عهدها التاريخ، مدينة لا تنام في حضن الإهمال.


ويُعد صهريج السواني أحد أعظم منشآت السلطان المولى إسماعيل، وقد شُيّد في القرن السابع عشر لتخزين المياه وتزويد القصور الملكية بها، معتمداً على نظام ريّ متكامل يجمع بين النجاعة والجمالية. ويبلغ طوله حوالي 319 متراً، وعرضه 149 متراً، ويتسع لملايين الأمتار المكعبة من الماء، في تناغم بديع بين وظيفته العملية وسحره السياحي.

اليوم، وبعد الترميم، صار الصهريج قبلة للسياح، ومسرحاً للفعاليات الثقافية، ومتنفساً لسكان المدينة، يلتقط فيه القلب أنفاسه، وتغني فيه العين لحن الراحة. عاد “السواني” ليعانق السواقي، ويعزف على نهر الذكريات ألحان الوفاء لمكناس الخالدة.
إن إعادة افتتاح صهريج السواني ليست مجرد لحظة احتفالية، بل خطوة في مسار طويل لإحياء التراث وتثمين الذاكرة، وصون ملامح المدن المغربية من الضياع. وبين حجارةٍ تنطق بالمجد، ومياهٍ تعكس وجه التاريخ، تبقى مكناس وفية لعهدها مع الفن والحضارة.
فهل هناك أجمل من أن يسقي “السواني” عطش الأرواح، ويهمس للمغاربة بأن الماضي ما زال ينبض بالحياة؟

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: