صوت الأمة: المصطفى دراݣي
في صحراء التيه، حيث يختلط السراب بالحقيقة، وحيث تستعر نار الظلم على جسد الأبرياء، شهدت مخيمات تندوف مشهدًا جديدًا من مشاهد الغدر والانتهاك، مشهدًا تندى له جبين الإنسانية خجلًا، وتبكي له الضمائر الحرة دمعًا وحزنًا.
هناك، زوال الجمعة، تجلّى الإرهاب بأبشع صوره حين أطلقت عصابات البوليساريو، بأوامر مباشرة من قياداتها، وابلاً من الرصاص العشوائي داخل دائرة الڨلته وبوكراع. لم يكن الرصاص موجهًا نحو عدو متربص، بل صوب صدور المدنيين العزل الذين لا جرم لهم إلا حلم بالحرية، وأمل بالكرامة.
لقد كان المشهد أكثر وضوحًا من شمس النهار: ترويع للأبرياء، وانتقام أعمى من مجندين مغرر بهم، اتخذوا قرار الشجعان، وقطعوا حبائل الوهم، ليعودوا إلى وطنهم المغرب، حيث الكرامة تاج والرعاية قدر.
تقارير من عين المكان أكدت أن شخصًا على الأقل سقط مضرجًا بدمائه، بعدما أصيب بطلقين ناريين غادرين. فيما اشتعلت بين الأهالي والعصابات مواجهات عارمة، كشفت عن هوة واسعة بين واقع القهر وشوق الناس للانعتاق. وبينما كانت الأنظار تترقب موقفًا مسؤولًا، اكتفت ميليشيات البوليساريو بالصمت المريب، صمت الجبناء حين يخذلون من أقسموا كذبًا على حمايتهم.
إن ما حدث ليس حدثًا عابرًا يُطوى في سجلات النسيان، بل هو صفحة أخرى سوداء في سجل طويل من الجرائم، صفحة تُنادي الضمير العالمي لينهض، وتستصرخ المنظمات الحقوقية لتمارس مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، قبل أن يصبح الصمت شريكًا في الجريمة.
تندوف اليوم، تروي للعالم قصة شعب أسير بين مطرقة العصابات وسندان الصمت الدولي. لكنها تروي أيضًا، وبصوت من لا يُقهر، أن خيار العودة إلى المغرب ليس مجرد عودة إلى الجغرافيا، بل هو عودة إلى الحرية، إلى الكرامة، إلى الحياة.
فرغم رصاص الغدر، ستظل رايات العودة ترفرف فوق تندوف، وسيظل الوطن، كما كان، حضنًا رحيمًا لا يخذل أبناءه، مهما طال التيه، ومهما اعتلى صوت الرصاص.