صوت الأمة
في خطوة أثارت عاصفة من التساؤلات، انسحبت موريتانيا من مناورات “سلم إفريقيا 3” التي تحتضنها الجزائر، وذلك بعد أيام قليلة فقط من انسحاب مصر، ما جعل المشهد يبدو وكأن رقعة الشطرنج الجيوسياسية تعاد تشكيلها بقطع لم تعد تخفي ولاءاتها ولا تحركاتها.
فلا يمكن قراءة هذين الانسحابين بمعزل عن التوتر المتصاعد بين الجزائر والإمارات، توترٌ يشتد عوده كلما اشتبكت المواقف حول أزمات إقليمية متشابكة، من ليبيا المشتعلة إلى الساحل الإفريقي المتأرجح، حيث تتقاطع المصالح وتتنافر التحالفات.
الإمارات، التي نسجت خيوط علاقات وثيقة مع كل من مصر وموريتانيا، عبر قنوات الدعم الاقتصادي وشراكات التنسيق الأمني، تبدو وكأنها تحرك خيوطاً خفية خلف الكواليس، تؤثر في قرارات كبرى، وتعيد رسم خطوط الحضور والمقاطعة على مسرح السياسة الإفريقية. فانسحاب القاهرة قد يُقرأ ضمن معادلة التحالفات الإقليمية الراهنة، حيث يتقاطع الخط المصري مع المسار الإماراتي في أكثر من ملف، لكن المفاجأة الحقيقية كانت في انسحاب نواكشوط، الذي فُهِم لدى الكثيرين كترجمة صامتة لضغوط دبلوماسية أو تنسيق مستتر.
وهكذا، بدا المشهد وكأن أبوظبي ترسل رسائلها عبر بوابات الغياب، لتُربك حسابات الجزائر التي تتحالف مع محور يقف على النقيض من الطموحات الإماراتية المتصاعدة. فهل نحن أمام إعادة تموضع جيو-استراتيجي جديد، ترسمه الانسحابات أكثر مما ترسمه التصريحات؟ أم أن رياح السياسة تعصف بما لا تُظهره خرائط المناورات العسكرية؟
الأسئلة تتكاثر، والإجابات لا تزال في طور التشكّل… لكن الثابت أن ما جرى في “سلم إفريقيا 3″، لم يكن مجرد انسحابين عابرين، بل علامات فارقة على طريق شديد الوعورة.