صوت الأمة
في مشهدٍ يعجّ بالمفارقات، وتحت سماءٍ حبلى بالتساؤلات، انتقل كمال داود، الكاتب الفرنسي-الجزائري الحائز على جائزة غونكور لعام 2024، من أروقة المجد إلى أروقة الملاحقة، ومن سطور “حورياته” إلى سطور مذكرات التوقيف الدولية!
فبعد أن صدح اسمه في المحافل الأدبية، وأضاءت كلماته رفوف القرّاء بلغة رشيقة وفكرٍ عميق، أصدرت السلطات الجزائرية، في صمتٍ يشبه العاصفة، مذكرتي توقيف دوليتين في حقه، كما كشفت مجلة لوبوان الفرنسية. الأولى صدرت في مارس المنصرم، والثانية تبعتها في مطلع مايو، كأنّ الحبر الذي كتب به داود روايته لم يكن سوى نارٍ تحت الرماد.
اللافت في المشهد، أن لا تفاصيل رسمية كُشفت حول أسباب هذه المتابعة، مما فتح الباب على مصراعيه للتكهنات، ووسّع الهوّة بين الإبداع والرقابة، بين حرية الكلمة وقيود السلطة. وهل يُعقل أن تكون جائزة الأدب تذكرة عبور نحو المنفى، بدل أن تكون جواز مرور نحو الاعتراف؟
كمال داود ليس أول من تجرّع مرارة الغربة عن وطنٍ طالما حمله في قلبه، فقد سبقه إلى ذات المصير مواطنه الكاتب بوعلام صنصال، الذي دفع ضريبة الكلمة في زمن يُخنق فيه الحرف، وتُعتقل فيه الفكرة، ويُجرّم فيه الاختلاف.
إنها مفارقة القدر أو مفخخة السياسة: تُكرَّم الكلمة في باريس وتُطارد في الجزائر. تُصفَّق لها أيادي المثقفين هناك، وتُقيد بقيود المذكرات هنا.
ويبقى السؤال معلقًا في عنق الحقيقة: هل تحوّلت الجزائر من بلد الشهداء إلى بلد الشكايات؟ وهل أصبح الأديب عدوًا إن لم يُصفّق؟ وهل تُضرب الأقلام لأنها كتبت، أم لأنها كتبت ما لا يُراد لها أن تكتبه؟
إنها ليست أزمة كاتب، بل أزمة وطن لا يزال يفتّش عن صوته في صدى الخوف، ويطارد ضوء الحرية في ظلال الصمت.