أخر أخبار

مبادرة إنسانية فريدة بهولندا :الطلاب يصاحبون المسنين

15 مايو 2025
A+
A-

صوت الأمة

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتعلو فيه أصوات التكنولوجيا على همسات القلوب، تبزغ من شمال أوروبا شعلة إنسانية دافئة، تحمل في ثناياها معنى التراحم، وتعيد رسم صورة التلاحم بين الأجيال. ففي مدينة ديفينتر الهولندية، نسجت دار المسنين “هيومانيتاس” خيطاً ذهبياً يربط القلوب، قبل أن يربط الأجيال: سكنٌ مجاني للطلاب، مقابل رفقة صادقة للمسنين.

هي إنسانية تُترجم لا تُشرح، ومبادرةتلامس الروح قبل أن تلامس الواقع.

في قلب هذه المبادرة، ينبض شرط واحد، بسيط في ظاهره، عميق في معناه:

قضاء ثلاثين ساعة شهريًا مع المسنين.

لا تُقاس هذه الساعات بالوقت، بل تُقاس بالدفء، بالبسمات، بالعيون التي تلمع حين تجد من يصغي، ومن يشارك، ومن يحنّ.

يجلس الطالب إلى جانب رجل جاوز الثمانين، يتشاركان وجبة الغداء، ثم ينطلق الحديث كالنهر، عذبًا رقراقًا، عن قصص الزمن الجميل، عن الحب الأول، عن الحرب، عن السلام، عن الحياة… عن كل ما غاب في زحمة الوحدة.

المسنون يجدون في الشباب نَفَس الحياة، وفي ضحكاتهم صدى الذكريات.

الطلاب يجدون في الشيوخ حكمة السنين، وسكنًا مجانياً في زمن يتصاعد فيه لهب الإيجارات.

والمجتمع؟ يحصد ثمرة هذه المبادرة: جسر من المودّة، عوضاً عن فجوة من الجفاء.

لم يبقَ هذا النموذج حبيس جدران الدار الهولندية، بل تسلّل بخفة إلى دول أخرى.

في فرنسا، أصبح التشارك السكني بين الطالب والمُسنّ أمراً معتادًا في عدة مدن.

وفي إسبانيا، نمت الفكرة في برشلونة وامتدت كأغصان الزيتون إلى عشرات المدن.

أما الولايات المتحدة، فقد زرعت الفكرة بطريقتها الخاصة، حيث يقدم الشباب عروضاً موسيقية، أو خدمات تقنية لكبار السن، مقابل مشاركة الوقت والمكان.

العزلة قاتلة، لكنها ليست قدراً. حين يُمنح الكبير من يصغي، ويمنح الشاب من يُلهمه، تتفتح الحياة من جديد.

فما أحوجنا اليوم، في عالم يشهد انقسامًا بين الأجيال، أن ننسج مبادرات كهذه، تُلملم أوصال المجتمع، وتعيد للإنسانية بهاءها

هيومانيتاس لم تكن مجرد دار مسنين، بل أصبحت مدرسة في الإنسانية، لا تُدرّس المناهج، بل تُدرّس المحبة.

فهل نقتدي؟هل نُصغي إلى النداء؟هل نُعيد للوطن دفء الأجداد، ونُعطي للأحفاد درسًا في الوفاء؟

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: