أخر أخبار

المسيرة الكحلة: وصمة عار على جبين المقبور بوخروبة

7 يونيو 2025
A+
A-

صوت الأمة: بقلم المصطفى دراݣي

في صباح عيدٍ ما كان ككلّ عيد، أشرقت شمس المأساة على وجوه البسطاء…

كان المغاربة هناك في أرض الجوار، جزائريين في الجغرافيا، لكن قلوبهم لا تعرف إلا مغربًا يسكن في العروق. صلّوا صلاة العيد، كبّروا وهلّلوا، ذبحوا الأضاحي وعلّقوا الفرحة على أبواب بيوتهم… ولم يكونوا يدرون أن وراء الأفق، كانت المصيبة تمشي إليهم على مهل، ترتدي ثوب الخيانة وتخبّئ خنجراً في خاصرة الجوار.

وقعت الواقعة… وسمّيت بالمسيرة “الكحلة”، يوم انقلبت الموازين وتبدّدت العهود، وامتدّ الظلمُ من عيد المسلمين إلى عرضهم ودينهم.

طُرد في ذاك اليوم ما يقارب 350 ألف مغربي، ليسوا غزاة ولا معتدين، بل تجارٌ وصناعٌ وفلاحون، مستقرّون منذ زمن، استثمروا في أرض الجزائر وساهموا في بنائها، بل وسندوا ثورتها حين كانت الرصاصة أغلى من الرغيف.

لكن الحقد حين يعمي، لا يرى صلة رحم، ولا يسمع صوت حق، ولا يرحم دمعة طفل أو رجفة أمّ.

خرجوا حفاة، شُرّدوا صائمين في يوم عيد، تُركت الأضاحي معلّقة، وعلقت معها الأرواح على مشانق القهر.

منهم من كان يذبح كبشه، فإذا بالعسكر يذبح استقراره.

منهم من عاد من المصلى، ليجد بيته قد غدا سجنًا، وعياله في العراء،

ومنهم من دُفع كالدابة إلى الحدود، لا مال، لا متاع، لا حتى حذاء يستر قدمه من لظى الرمال.

وكانت الخيانة بخطة مُحكمة، لا عن غضبٍ عابر، بل حقدٍ متجذّر.

بوخروبة – ذاك الذي لطّخ وجه الجزائر الحرة – خطّط لطردهم لا انتقامًا فحسب من المسيرة الخضراء، بل ليُفرغ الصحراء الشرقية من كل مغربي ظل شاهدًا على أن الأرض هناك كانت يومًا تنطق باللهجة المغربية، وتحمل في ترابها أثر خُطى المغاربة منذ قرون.

ولم تكن القضية قضية ترحيل فقط، بل طمسٌ لهوية واغتيالٌ لذاكرة.

أفرغ بشار، أدرار، وتندوف من المغاربة، لا لذنبٍ اقترفوه، بل لأنهم كانوا يذكّرونه بالحقّ الذي يخشاه، وبالجغرافيا التي تفضحه.

وما كان أشدّ مرارةً، أن من دخلوا ديار المطرودين، لم يكونوا غرباء، بل جيرانٌ بالأمس، لبسوا ثوب الجشع وسكنوا البيوت بعد أهلها، كما تسكن اللعنة في الجسد العليل.

أين الجوار؟ وأين عيد المسلمين؟

أين حديث النبي عن حرمة المسلم؟ عن كسر قلوب الأمهات؟ عن تجفيف دموع الأطفال؟

لكننا نعلم، أن التاريخ لا ينام، وإن نام، فعيونه لا تُغمض إلى الأبد.

وسيبقى ذاك اليوم صفحة سوداء، محفورة في القلب المغربي، كُتبت لا بالحبر، بل بدموع المطرودين، وصرخات الأطفال، وسجدة رجلٍ طُرد وهو ساجد.

“المسيرة الكحلة” ليست مجرد ذكرى… بل جرحٌ لم يُخَطّ بعد، ووصمة عارٍ في جبين من خانوا العهد، وذبحوا الرحم بسكين السياسة.

وإن طال الزمن… لن تُمحى من الذاكرةولن تُغفر من الضمائر

لأنها ليست فقط قصة طرد، بل خيانة عيد، وجريمة ضد القربى، وطرد لمسلمين من ديار المسلمين، في يوم المسلمين.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: