صوت الأمة
تسللت أنباء دامية عبر عناوين الصحف وشفاه المراسلين، تفيد بمصرع أربعة ضباط جزائريين، خلال هجوم جوي إسرائيلي استهدف مواقع للحرس الثوري الإيراني في قلب العاصمة طهران. أسماء ثقيلة سقطت من سجلات الخدمة إلى صفحات النعي: لمين زوقار، مصطفى دحروش، السعيد راشدي، وتاج الدين مغولي، وكلهم من أصحاب الرتب العليا، والخبرة الأمنية العتيقة.
الخبر، وإن لم يُعزف رسمياً على أوتار البيانات الحكومية، إلا أنه دوّى في آذان المتابعين كصوت رعد في سماءٍ صافية. إذ كيف تُقتل كوادر جزائرية على أرض فارسية دون إعلان، أو حتى تمهيد يبرّر وجودها العسكري؟ أم أن ما خفي أعظم، وما يُدار في الظلال يتجاوز ما يُقال في وضح النهار؟
هذا التطور الصادم يُعيد فتح أبواب الأسئلة على مصاريعها: ما مدى عمق التعاون العسكري بين الجزائر وطهران؟ وهل باتت الجزائر جزءا من معادلة الأمن الإقليمي الإيراني؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل هذا الخيار مدروسٌ بعناية، أم أنه مغامرة في زمنٍ تترنح فيه التوازنات؟
في مقابل هذا الحدث الجلل، يلفّ الصمت الرسمي المشهد كالضباب، بينما تتعالى الأصوات في الداخل تطالب بالشفافية والمساءلة. فالوطن، كما يقول الحكماء، لا يُدار كغرفة مظلمة، بل كبيت من زجاج، يُرى فيه كل شيء، ويُحاسَب فيه كل مسؤول. فمن يبرّر للشعب خروج جنوده إلى أرضٍ لا تجمعنا بها لا حدود ولا تهديد مباشر؟ ومن يشرح للأمة مغزى المخاطرة برجالها في صراعات الغير؟
لطالما تغنّت الجزائر، حكومة وشعبا، بمبدأ “الحياد الإيجابي”، والنأي بالنفس عن حروب الوكالة. لكنها اليوم تقف عند مفترق طرق، تتقاطع فيه السياسة بالأمن، وتتعانق فيه العقيدة العسكرية بالمصالح الغامضة. فهل تغيّرت العقيدة؟ أم تغيّرت الظروف؟ وهل ما زالت الجزائر تسير وفق بوصلتها التاريخية، أم أن بعض الجهات في هرم القرار انزلقت في دهاليز التورط غير المعلن؟
إن مقتل هؤلاء الضباط لا يُعدّ فقط فاجعة إنسانية ومهنية، بل اختباراً حقيقياً للدولة الجزائرية في مدى التزامها بشفافية القرار العسكري، ووضوح التوجهات الإستراتيجية. كما أنه يُلقي بظلاله الثقيلة على مستقبل العلاقات الجزائرية-الإيرانية، وعلى صورة الجزائر كفاعل إقليمي يُفترض فيه الحكمة، لا المجازفة.
فحين تموت الحقيقة في أقبية الصمت، تتكاثر الشائعات كالعفن في الظلام، وتضيع البوصلة في متاهات التأويل