صوت الأمة: هيئة التحرير
اهتزّت أرض الخليج على وقع صواريخٍ إيرانية اخترقت صمت السماء وأشعلت فتيل الخطر، مُعلنة بعملية “بشائر الفتح” بداية فصل جديد من التوترات الملتهبة بين واشنطن وطهران، فصل قد لا يحمل في طيّاته سوى مزيد من الدمار والدخان.
ففي ساعة كثيفة الظلام، أطلقت إيران، صباح الإثنين 23 يونيو 2025، وابلا من الصواريخ البالستية، استهدفت قواعد أمريكية في قطر والعراق، ردا – كما أعلنت – على ما وصفته بـ”العدوان الغاشم” الذي طال منشآتها النووية في العمق الإيراني. وهكذا، بات الردّ نُذُرا، والتصعيد خطر.
إنّ ما يحدث اليوم ليس مجرّد تبادل للضربات، بل هو صراع إرادات تتشابك فيه مصالح القوى الكبرى مع حسابات القوى الإقليمية، وتطفو فيه لغة الحديد والنار على كل دعوة للحوار أو تهدئة. إيران، التي طالما توعدت بالرد على أي مساس بسيادتها، اختارت هذه المرة توقيتا يحمل أبعادا استراتيجية، مستفيدة من تشتت الاهتمام الدولي بين الجبهات المتعددة، من أوكرانيا إلى شرق آسيا.
أما الولايات المتحدة، فعلى الرغم من تفوقها العسكري وتقنياتها المتقدمة، تبدو أمام امتحان مزدوج: حماية قواتها المنتشرة في قلب منطقة ملتهبة، والحفاظ على تحالفاتها التي تترنح تحت ضغط الضربات المفاجئة ووقع الرأي العام الداخلي.
ففي الدوحة، حيث تتمركز إحدى أكبر القواعد الأمريكية خارج التراب الأمريكي، لم يعد الموقف مجرد شراكة إستراتيجية، بل تحوّل إلى معضلة أمن قومي. قطر، الدولة التي نسجت علاقاتها بحذر مع كل الأطراف، تجد نفسها اليوم في مرمى نيرانٍ لا ناقة لها فيها ولا جمل، رغم احتضانها الوساطات وتقديمها بوابة للسلام حين تُغلق باقي الأبواب.
وفي بغداد، يُعيد التصعيد إلى الأذهان صور السنوات العجاف، حين كان العراق ساحة لتصفية الحسابات بين طهران وواشنطن. واليوم، يبدو أن شبح تلك المرحلة قد بدأ يخيم مجددا، وسط خشية متزايدة من أن يتحوّل العراق إلى مسرح حربٍ بالوكالة يدفع ثمنه المدنيون الأبرياء.
وبين هذا وذاك، لا تزال الآمال معلقة على صوت العقلاء، إن كان لا يزال لهم حضور. المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، يُدرك خطورة الموقف، لكن أدواته تبدو محدودة أمام سرعة الانزلاق نحو هاويةٍ جديدة. فكل تأخير في احتواء الموقف، هو كصب الزيت على النار، وكل تردد في تفعيل الوساطات، هو دفعٌ غير مباشر نحو الانفجار.
فهل تتدخل الأطراف المؤثرة – من أوروبا إلى الصين – لإخماد جذوة التصعيد؟ وهل يستطيع الوسطاء التقليديون، من سلطنة عمان إلى أنقرة، إعادة رتق ما انقطع من خيوط التهدئة؟ أم أن الجميع اليوم يتفرج على قطار التصعيد وهو يندفع بلا كوابح في نفقٍ مظلم؟
لقد اعتادت المنطقة على دورات التصعيد والانفراج، ولكن هذه المرة، تختلف النبرة وتعلو الوتيرة. “بشائر الفتح” ليست مجرد عملية عسكرية، بل رسالة دموية بلغة الصواريخ، تذكّر بأن منطق القوة لا يزال سيد الموقف حين تغيب العدالة وتتوارى الدبلوماسية خلف جدران المصالح.
وفي انتظار رد واشنطن، يبقى الشرق الأوسط، كما عهدناه، رهينة حسابات لا تُبنى على العقل فقط، بل على الكبرياء والكلفة والكرامة والسيادة. فهل نحن على أبواب تسوية كبرى؟ أم أن الضربات لن تتوقف إلا حين تُهدم كل قواعد اللعب، وتُعاد صياغة الخرائط بالنار والرماد؟