أخر أخبار

حينما تتكلم أرقام التعليم الخصوصي ويسكت القرار السياسي

27 يونيو 2025
A+
A-

صوت الأمة

في غمرة النقاشات الموسمية التي تستعر عند كل دخول مدرسي، تعود إلى الواجهة إشكالية التعليم الخصوصي، لا من حيث جودته ولا من حيث احترامه لكناش التحملات، بل من زاوية أخرى أكثر عمقا: زاوية الأرقام الصمّاء التي تهمس في أذن صانع القرار، دون أن تجد لها آذانا صاغية.

 

فها نحن أمام لوحة رقمية ناطقة: 15 في المائة من مجموع تلاميذ المملكة يتابعون دراستهم في المدارس الخاصة، أي ما يفوق المليون وثلاثمئة ألف تلميذ من أصل حوالي 8.8 مليون تلميذ بمختلف المستويات الدراسية. وهذه النسبة ليست مجرد رقم عابر، بل مرآة تعكس تحولات اجتماعية واقتصادية متسارعة في اختيارات الأسر المغربية.

وليس التلاميذ وحدهم من تشغلهم المدارس الخصوصية، بل تقف خلفهم جيوش من العاملين، إذ تُشغّل هذه المؤسسات حوالي 200 ألف فرد – من مربين وسائقين وطباخين وعمال نظافة وغيرهم – أي ما يمثل 7% من مجموع المستخدمين المسجلين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من أصل 3.8 مليون مصرح بهم.

أما الكلفة التي تتحملها الأسر سنويا لتدريس أبنائها بالقطاع الخاص فتصل إلى 15 مليار درهم. نعم، 15 مليار تُدفع من الجيوب المثقلة أصلًا بغلاء المعيشة، وهو مبلغ يُخفف على الدولة عبء تمويل التعليم العمومي بنسبة تقارب 23% من ميزانيته.

لكن، العجيب في الأمر أن هذه الأرقام الصادمة – أو الصامدة – لم تحرك ساكنًا في النقاش العمومي والسياسي الذي يُفترض أن يحتدّ كلما اقترب موعد إعداد مشروع قانون المالية، الذي تستعد الحكومة لطرحه خلال أسابيع. فأين الأحزاب من هذا الملف؟ أين الأغلبية؟ أين المعارضة؟ بل أين النقاش العمومي الرصين؟

أليس من حق المغاربة أن يتساءلوا: هل بلغ التعليم الخاص درجة الإشباع؟ وهل آن الأوان لوضع حد لفتح المزيد من المؤسسات؟ وإن تم التوجه نحو إيقاف منح التراخيص، فهل سيُحصر القرار في كبريات المدن كالرباط والدار البيضاء، أم سيعم باقي الجهات؟

ثم أليس من العدالة الجبائية أن يُعفى الآباء من الضريبة على الدخل في حدود ما يُنفقونه على تعليم أبنائهم في القطاع الخاص، طالما أنهم لا يستفيدون من المدرسة العمومية؟ وإن تم ذلك، فما هي العتبة المناسبة لهذا الإعفاء؟

وهنا يطرح سؤال آخر بحدة لا تقل: ما مصير العقارات التي احتضنت مؤسسات عمومية أغلقت أبوابها لغياب الإقبال؟ هل ستُفوت في صفقات “ترضيات” للمنعشين العقاريين الكبار؟ أم ستُعاد تهيئتها لتتحول إلى حدائق عمومية، أو ملاجئ للمشردين، أو مراكز لاستقبال المهاجرين غير النظاميين؟

ولماذا لا تُلزم مؤسسات التعليم الخاص بالمساهمة في تكوين الأطر التربوية والإدارية عبر تمويل مراكز التكوين العمومية، أو حتى بإحداث مراكز تكوين خاصة تابعة لها تضمن جودة الموارد البشرية التي تشغلها؟

أسئلة كثيرة تُطرح، وإشكالات كبرى تنتظر إجابات جريئة. لكن الجلي أن الدخول السياسي الحقيقي لا يبدأ في ثاني جمعة من أكتوبر، بل منذ الصيف، مع أولى ملامح مسودة قانون المالية. فهذا القانون ليس سوى جواب صريح عن سؤال: “أين تذهب أموال المغاربة؟ ومن يحظى بنصيب الأسد من ميزانية الدولة؟”

إننا أمام مفترق طرق حقيقي، يُحتّم إعادة التفكير في تموقع التعليم الخصوصي داخل المنظومة التربوية الوطنية، لا كبديل، بل كشريك مشروط بالعدالة والنجاعة والشفافية.

فهل من مستجيب؟ أم أن الآذان لا تزال في واد، والنبض الشعبي في واد آخر؟

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: