صوت الأمة : هيئة التحرير
ارتفعت راية الديمقراطية في سماء المغرب، وخفقت قلوب المواطنين على نغمة الأمل، بعدما كشف “الباروميتر العربي” في دورته الثامنة (2023-2024) عن تصاعد ثقة المغاربة في النظام الديمقراطي إلى 73%، وهي قفزة نوعية مقارنة بنسبة 54% في استطلاع عام 2021.
هي ديمقراطية لا تُرى بعين الورد فقط، بل تُقاس بميزان النقد والبصيرة، حيث لا يكتفي المغاربة برفع الشعارات، بل يسائلون الأداء ويطلبون ثمار العدالة والكرامة والخدمات.
ورغم هذا الزخم، لا تزال 41% من الآراء تتأرجح بين الشك واليقين، ترى في النظم غير الديمقراطية بديلاً في زمن الشدة، مما يعكس قلقا دفينا من قدرة الديمقراطية على بسط الأمن وتحقيق الاستقرار.
لكن منارة الأمل لم تنطفئ، فقد تراجعت نسبة من يرون الديمقراطية مرادفا لضعف الاقتصاد بـ7 نقاط، كما انخفض من يعتبرونها نظاما عاجزا عن الحسم بـ5 نقاط، وهي إشارات تعكس استردادا تدريجيا للثقة.
لقد أضحى المواطن المغربي، كغيره من شعوب المنطقة، يدرك أن الديمقراطية ليست أوراقا توضع في صناديق، بل وعدٌ بعدالة تُوزَّع، وكرامة لا تُنتزع، وخدمات تُبذل، وحريات لا تُكمّم.
إنه تحوّل في الوعي، من ديمقراطية الشعارات إلى ديمقراطية النتائج. وبين من يراها خلاصا، ومن يراها خيارا مشروطا، تمضي الديمقراطية المغربية في دربها، تترنح أحيانا، لكنها لا تنهزم.
وإذا كانت الديمقراطية قد ربحت القلوب، فإنها لم تربح بعدُ المعركة كاملة في العقول. فبين التفاؤل الشعبي بنجاعة النموذج، والخوف من هشاشة نتائجه، تتقاطع تطلعات المغاربة مع واقع لا يزال يتلمس طريقه بين الرغبة في التغيير وتحديات الإنجاز.
ولئن كانت حكومة أخنوش قد أشرفت على هذه المرحلة من تصاعد الثقة، فإن ذلك لا يُحسب لحزب أو مرحلة بعينها، بل هو تراكم وطني يعكس تطورًا في الوعي الجمعي، وصعودا في منسوب المطالبة بديمقراطية لا تكتفي بالشكليات، بل تلامس جوهر الكرامة والعدالة والمشاركة.
ولأن الديمقراطية ليست مجرد جدران مؤسسات، بل أرواح مواطنين، فإن الرهان الحقيقي اليوم يكمن في تحويل هذا التأييد الشعبي إلى ثقافة سياسية يومية، وسلوك مدني دائم، ومساءلة مستمرة للفاعلين، لا تبجّح فيها ولا تراجع، بل شراكة ناضجة بين الحاكم والمحكوم.
ففي زمن تتقلب فيه الدول على وقع الأزمات، ويشتد فيه طيف الشك في النماذج السياسية، يختار المغرب أن يسير على الحبل المشدود بين الثقة والتحفظ، بين الأمل والحذر، لكنّه، رغم كل شيء، لا يزال يتشبث بخيار الديمقراطية كقارب للنجاة في بحر تتلاطم فيه أمواج التسلط والفوضى.
وبين من يراها نظاما لا بديل عنه، ومن لا يزال يتحسس طريقه إليها، تتواصل رحلة المغرب في سبيل بناء ديمقراطية لا تذبل مع الوقت، بل تنضج كلما صقلتها التجارب، وتوهجت بنار النقد البناء.
فهل تصمد شجرة الديمقراطية في وجه الرياح، أم تنكسر في مهب الانتظارات؟
ذلك سؤال المستقبل، والجواب بيد الوطن.