صوت الأمة:المصطفى دراݣي
أقدمت البرتغال اليوم على اتخاذ موقف شجاع وحكيم، بإعلان اعترافها الرسمي بسيادة المملكة المغربية الكاملة على أقاليمها الجنوبية، مؤكدة بذلك دعمها لوحدة المغرب الترابية، ومُكرِّسة انضمامها إلى ركب الدول التي ترفض أطروحة الانفصال وتنتصر للشرعية والواقعية.
لقد جاء هذا الاعتراف ليشكل منعرجا دبلوماسيا بالغ الأثر، تُصافح فيه السياسة الحكمة، ويحتفي فيه الحق بالتأييد الدولي. فالبرتغال، بما تمثله من عمق أوروبي وتجذر تاريخي، لم تُلقِ هذا الموقف جزافا، بل صاغته بعناية، بناء على تراكم من العلاقات الثنائية المتينة، والمصالح الاستراتيجية المشتركة، والرؤية الواقعية لحل هذا النزاع المفتعل الذي طال أمده.
ولئن كان التاريخ قد فرق بين ضفتي المضيق لأزمنة، فإن الجغرافيا والمصالح والأخلاق السياسية اليوم تجمعهما في صف واحد، ينتصر للشرعية ويرتقي على ضجيج الأوهام.
إن اعتراف البرتغال بسيادة المغرب على صحرائه لا يُعدّ فقط انتصارا دبلوماسيا، بل هو شهادة جديدة تنضاف إلى سجل الاعترافات المتنامية التي حصدها المغرب، من واشنطن إلى مدريد، ومن بوخارست إلى ليما. ويبدو أن أوروبا، التي كانت في زمن ما حذرة أو مترددة، بدأت تدرك أنَّ من راهن على غبار السراب قد خسر، وأن من تمسك بأرضه ودافع عنها بالحجة والتاريخ، قد ربح.
فالرباط، بسياساتها الرصينة ومبادراتها الواقعية، استطاعت أن تفرض رؤيتها المبنية على الحكم الذاتي كحل سياسي، جاد وذي مصداقية، وهو ما أجمعت عليه قرارات مجلس الأمن منذ سنوات. ولم تكن البرتغال، بتاريخها العريق وروحها البراغماتية، لتغفل عن هذا التحول، فاختارت أن تكون في الجانب الصحيح من التاريخ.
تأتي هذه الخطوة البرتغالية في ظرفية إقليمية ودولية حساسة، حيث يتزايد الوعي الدولي بخطورة النزاعات المفتعلة على الأمن والاستقرار، وتُطرح تساؤلات كبرى حول شرعية الكيانات الوهمية، ومدى وجاهة دعمها في عصر العقلانية السياسية. كما يأتي هذا الاعتراف ليعزز التعاون الثنائي بين المغرب والبرتغال في مجالات الاقتصاد والطاقة والهجرة والأمن، ويُمهِّد لتكامل أعمق داخل الفضاء الأورو-متوسطي.
وما الاعتراف البرتغالي إلا شهادة جديدة على أنَّ من زرع الحق جنى الاعتراف، وأنَّ من نثر بذور التنمية في صحرائه، وصان الارتباط بين الشمال والجنوب، لا بد أن تثمر جهوده دعما وتأييدا.
ها هي قلاع الوهم تتساقط تباعًا، وها هو المغرب يخطو بثقة نحو تعزيز وحدته الترابية، بسند من التاريخ، ومباركة من الجغرافيا، وشرعية من المجتمع الدولي. أما البرتغال، فقد كتبت اليوم سطرا مشرقا في كتاب العلاقات المغربية-الأوروبية، سطرا عنوانه: “الحق لا يُهزم، والوهم لا يدوم”.
فطوبى للمغرب بهذا الاعتراف، وطوبى للبرتغال بحسن البصيرة.