أخر أخبار

“أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف… رسالة ربانية في الخطاب الملكي السامي”

30 يوليو 2025
A+
A-

صوت الأمة: المصطفى دراݣي

اختار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أن يختتم كلمته بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه الغر الميامين، بآية كريمة من الذكر الحكيم، جاء فيها قول الله تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، ٱلَّذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِنْ خَوْفٍ﴾ [سورة قريش].

ولا شكّ أن انتقاء جلالته لهذه الآية في ختام خطابه، لم يكن اعتباطا ولا اجتهادا عارضا، وإنما هو توجيه بليغ، ورسالة ربانية مضيئة، تحمل بين طيّاتها دلالات متعددة، ومعانيَ سامية، تختزل رؤى قائد حكيم يستشرف الأفق، ويستلهم العبرة من الوحي، ويربط حاضر الوطن بجذوره الإيمانية والروحية العميقة.

الآية الكريمة تذكر بنعمتين عظيمتين امتنّ الله بهما على أهل مكة: الأمن والرزق. وهما النعمتان اللتان تمثلان ركيزتين في كل بناء حضاري، وأساسين لكل استقرار وتنمية. وقد أراد جلالة الملك حفظه الله من خلالها أن يذكّر المغاربة، حكاما ومحكومين، بضرورة صيانة هذه النعم، بالاجتماع لا الافتراق، وبالعمل لا الاتكال، وبالعبادة لا الغفلة.

لقد أراد جلالته، بحنكته المعهودة، أن يُنهي خطابه بأفق إيماني، يستنهض في النفوس معاني العبودية، ويرسّخ في الأذهان أن الأمن لا يُصان إلا بالطاعة، وأن الخوف لا يُدفع إلا بالتقوى، وأن الشكر لا يكون باللسان فقط، بل بالعمل والبذل والإحسان.

الخطاب الملكي، وإن اتّخذ طابعا تقليديا من حيث المناسبة، إلا أن مضمونه جاء شاملا، متعدّد الأبعاد، متنوّع الهموم. ومن رحم هذه الهموم الاجتماعية والاقتصادية، التي تناولها الخطاب، اختار جلالة الملك حفظه الله أن يُضمّنه بُعدا روحيا عميقا، فكان ختامه مسكا بآية تُضيء ما أُظلم، وتُهدي ما تاه، وتُلهم ما عجز عن التعبير.

فيا لها من بلاغة ملوكية جمعت بين فصاحة البيان، وفصاحة الإيمان، ويا لها من رسالةٍ تهزّ وجدان المواطن وتوقظه من سباته، ليعلم أن الوطن ليس مجرّد تراب وحدود، بل هو بيت آمن، ورب يُعبد، ونعم تُشكر.

وفي زمن تعصف فيه التحديات من كل جانب — إقليمية كانت أو دولية — تأتي هذه الآية لتبثّ الطمأنينة في نفوس المغاربة، وتغرس فيهم الأمل واليقين بأن رب هذا البيت، الذي أطعم من جوع، وآمن من خوف، سيظل حافظا لهذا البلد الأمين، ما دام أبناؤه على العهد، متراصين، أوفياء للعرش، حريصين على الوحدة، عاملين بصدق تحت راية إمارة المؤمنين.

الآية تنطق بمعادلة دقيقة بين “الإطعام من الجوع” و**”الأمان من الخوف”**، وهي ذاتها المعادلة التي يسعى جلالة الملك نصره الله إلى تجسيدها من خلال المشاريع التنموية الكبرى، ومنظومة الحماية الاجتماعية، واستراتيجية الأمن الغذائي، إلى جانب الحفاظ على الخصوصية الروحية للمملكة القائمة على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني المعتدل.

وبذلك، فإن الخطاب الملكي لم يكن مجرد برنامج أو تقييم، بل كان تذكرة وعظة، ومصحفا مفتوحا يُتلى على جبين الوطن، لتبقى البوصلة متجهة نحو الله، ولتبقى راية الشكر خفّاقة في سماء المغرب.

إن الاستشهاد بالقرآن الكريم في خطب جلالة الملك، يبرز تفرّد المؤسسة الملكية في المغرب، التي تمزج بين السياسة والدين، وتخاطب شعبها بلغة السماء قبل لغة الأرض، لتؤكد أن العرش ليس سلطة فقط، بل رسالة، وقيادة، وعبادة.

فطوبى لهذا الشعب بقيادته الرشيدة، وطوبى لهذا العرش بوفائه لوعد الله: “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: