صوت الأمة: هيئة التحرير
خرجت محكمة جزائرية بوهران بحكم قضائي مثير للجدل، مستهدفة فرقة موسيقية محلية، لا لشيء سوى لأن أناملها عزفت على نغمة مغربية، وصدحت حناجرها بكلمات من وجدان الفن المغاربي الأصيل.
الحادثة التي جرت فصولها في حفل زفاف عادي، تحوّلت إلى ملف قضائي غير عادي، بعد أن ألهبت أغنية “العيون عينيا والساقيا الحمرا ليا ولواد وادي يا سيدي” مشاعر الحضور، لتشتعل بعدها شرارة التحقيق بمجرد تداول مقاطع مصورة من الحفل على منصات التواصل الاجتماعي. الأغنية، التي تُعد من درر الذاكرة الغنائية المغربية، تحوّلت بقدرة قاض إلى “مخالفة للأعراف الوطنية” في الجزائر، وكأنّ الوجدان الفني صار تهمة، والنوطات الموسيقية صدى “الاختراق الثقافي”.
تساءل كثيرون: هل حُكم على النغمة لأنها مغربية؟ أم أن المستهدف الحقيقي هو ما تحمله الأغنية من رمزية تراثية ومكانة وجدانية في قلوب الشعوب المغاربية؟ فالقطعة التي أدّتها الفرقة ليست سوى امتداد لأصالة مشتركة وتاريخ موحّد، تشهد عليه الذاكرة الجمعية، وتؤكده الوجدان المشترك بين الشعوب.
ولأنّ النار لا تخمد تحت الرماد، فقد اشتعلت المنصات الرقمية غضبا، وردّدت أصوات فنية وحقوقية: “كفى من قمع الإبداع، وحرية الفن ليست رهينة جغرافيا أو سياسة”. وتوالت التعليقات التي اعتبرت القرار القضائي تضييقا على حرية التعبير الفني، وانتكاسة لمبدأ التبادل الثقافي العربي، في زمن باتت فيه الشعوب تتغنّى بتلاقح الحضارات وتبادل الأوتار والكلمات.
المفارقة الصارخة أنّ الأغنية المغربية المعنية ليست مجرّد لحن عابر، بل رمز ثقافي مغاربي بامتياز، تتداولها الأفراح من طنجة إلى بنغازي، وتنساب على ألسنة الفرق في الرباط،نواكشوط وطرابلس، كما تُعلّم في مدارس الموسيقى وتُحفظ في ذاكرة الصحراء.
فهل يُعقل أن تُجرّم الأنغام وتُحاسب الموهبة؟ وهل بات الغناء جريمة إذا حمل في طيّاته هوية مغربية؟ أسئلة محرجة، لا تتطلب إجابة بقدر ما تستوجب وقفة عقل وحكمة، حتى لا يتحوّل الإبداع من رسالة نبيلة إلى هدف سهل للرصاص القانوني.