صوت الأمة : هيئة التحرير
أعلن المغرب رسميا عن تصدير أول شحنة من القنب الهندي لأغراض طبية وصيدلانية، من نوع “البلدي”، انطلاقا من منطقة باب برد بإقليم شفشاون، صوب القارة الأسترالية.
إنها لحظة مفصلية، لا تشبه ما قبلها، ترسم ملامح عهد جديد ترتدي فيه النبتة جديلة القانون وتخضع لمعايير الجودة العالمية، بعد عقود من الوجود في هامش التداول، بين مطرقة التجريم وسندان الاستعمال غير المشروع.
فاليوم، تتحول النبتة – التي كانت يوما رمزا للهامش – إلى عنصر فاعل في قلب التنمية، وسفير ناعم لإمكانيات المغرب الفلاحية والعلمية والطبية.
باب برد، تلك البلدة الجبلية التي اشتهرت طويلا بزراعة القنب بعيدا عن الأضواء، تدخل اليوم دائرة الضوء من أوسع أبوابها. إنها بداية لرد الاعتبار للمزارع المحلي، وتمكينه من إطار قانوني يحفظ حقه، ويُحسن دخله، ويشركه في عجلة الاقتصاد الأخضر.
فالتقنين لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل رؤية استراتيجية، تُحوِّل التحدي إلى فرصة، والخطر إلى مصدر أمان، من خلال تحويل هذه النبتة إلى مادة أولية في الصناعات الطبية والصيدلانية، تخضع لمراقبة دقيقة، وتُسَوَّق بشفافية وتنافسية.
إن تصدير القنب المغربي “البلدي” نحو أستراليا، ليس مجرد عملية تجارية عابرة، بل هو رسالة واضحة بأن للمغرب مكانة في سوق الصناعات الطبية العالمية، وأن موارده الطبيعية والبشرية مؤهلة للمنافسة في أسواق ذات متطلبات صارمة.
ولئن كانت هذه الشحنة الأولى، فهي تمهيد لطريق طويل من الاستثمارات الممكنة، في مجالات البحث العلمي، والتصنيع الصيدلاني، وخلق فرص الشغل المستدامة، خصوصا في المناطق الجبلية التي عانت التهميش لعقود.
بهذه الخطوة، يُثبت المغرب مرة أخرى أنه حين تتضافر الإرادة السياسية مع التخطيط الاستراتيجي، يُمكن أن يتحوّل المحظور إلى مشروع، والممنوع إلى منتوج، والهامش إلى محور.
إنه مسار طويل من التوازن بين متطلبات الأمن الصحي، وحاجات التنمية الاجتماعية، ورغبة الدولة في إعادة هيكلة علاقة المواطن بالأرض والموارد.
فليست النبتة في ذاتها هي العائق، بل كيفية تدبيرها. وها هو المغرب يبرهن على أن التوظيف الذكي للإمكانات الطبيعية قادر على فتح أبوابٍ من الأمل، بدل أبواب الزنازين.