صوت الأمة: عرفات محسن
الموت لا يمتحن العائلات فقط، بل يمتحن الدول أيضا. كيف تتعامل السلطة مع لحظة عزاء قد تكشف جوهرها الحقيقي؟ في المغرب والجزائر، جاء الجواب مختلفا تماما.
في شتنبر 2025، رحل أحمد الزفزافي بعد صراع مع المرض. سمحت السلطات المغربية لابنه ناصر بالخروج المؤقت من السجن، لكن ليس بطريقة استعراضية. نُقل في سيارة مدنية، بلا أصفاد، محاطا برجال أمن بلباس مدني. الأهم أن ناصر لم يمنع من إلقاء كلمة أمام الحضور، في وداع مؤثر لوالده. لحظة جمعت بين صرامة الدولة ورغبتها في إظهار قدر من المرونة والإنسانية.
أما في الجزائر، فالصورة كانت على النقيض. أحمد أويحيى، رئيس الوزراء الأسبق، سمح له في يونيو 2020 بحضور جنازة شقيقه، لكن مشهد حضوره بدا أقرب إلى محاكمة علنية: مكبل اليدين، محاطا بموكب أمني صارم، وكأنه أُخرج من الزنزانة ليُعاقب أمام الكاميرات. لم يكن في الأمر عزاء بقدر ما كان استعراضًا للقبضة الحديدية.
بين المشهدين فرق جوهري: في المغرب، توظف اللحظة الإنسانية لتخفيف التوتر وخلق مسافة من الرحمة، أما في الجزائر، فتستعمل لتذكير الجميع بأن الدولة لا تعرف سوى لغة الإذلال والعقاب.
قد تغطي السياسة على التفاصيل، لكن في النهاية، الجنائز تكشف أكثر مما تخفيه البيانات الرسمية: هنا إنسانية مشروطة لكنها حاضرة، وهناك انتقام يتجاوز الموت نفسه.