أخر أخبار

بين عهد موثق ووعد مهدور: الشغيلة التعليمية على صفيح ساخن

20 سبتمبر 2025
A+
A-

صوت الأمة: المصطفى دراݣي

تعيش الأسرة التعليمية في المغرب هذه الأيام على وقع قلق عارم، واحتقان يتنامى في الصدور كما يتنامى اللهيب في جذوة الفحم المشتعل. فالأخبار الرائجة – إن صدقت – حول نية وزارة التربية الوطنية التراجع عن التزاماتها الموقعة مع النقابات الأكثر تمثيلية، وفي مقدمتها ملف خارج السلم، ما هي إلا صاعقة أيقظت المخاوف، وأعادت إلى الأذهان صورا حديثة العهد من احتجاجات ومسيرات لم يخفُ صداها بعد من شوارع الوطن.

لقد تعب رجال التعليم ونساؤه من الوعود التي تُعطى نهارا وتُمحى ليلا، من نصوص تُدون في الجريدة الرسمية بحبر لا يلبث أن يتبخر، ومن اتفاقات تُزف كالبشرى ثم تطوى كأنها لم تكن. وكأن المثل الشعبي القديم “كلمة الرجال دين” صار أثرا بعد عين، وحلّت محله مراوغات سياسية ومماطلات إدارية تقتل الأمل في المهد، وتزرع الشك في نفوس أنهكها طول الانتظار.

أيليق أن تُترك الشغيلة التعليمية – وهي العمود الفقري للأمة، وعماد نهضتها، وصانعة أجيالها – فريسة لتجاذبات انتخابية ضيقة؟ أليس في كتاب الله عز وجل ما يذكّرنا بقول الحق: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا؟ وكيف تُسوّغ وزارة وصية على التربية أن تضرب بعرض الحائط التزامات وقّعت بالأيادي، وأُعلن عنها رسميا، وأصبحت جزءا من وجدان الأساتذة الذين انتظروا ساعة الإنصاف كالغيث بعد طول جدب؟

إن رجال التعليم ونساؤه اليوم على فوهة بركان، والغضب يتأجج في صدورهم كما يتأجج الموج في بحر عاصف، وكما يتصاعد الدخان من رماد لم يخمد. وما أسهل أن تنفجر الشرارة الأولى إذا استمر هذا الصمت المطبق من الوزارة، أو تواصل نهج التبرير والمراوغة. فالتاريخ القريب يشهد أن الشغيلة التعليمية لا تتردد في النزول إلى الشارع حين تُهان كرامتها أو تُمسّ حقوقها، وكيف لا وهم من علّموا الأجيال معنى العدل والحرية والكرامة؟

إن الحق في الترقية إلى خارج السلم هو استحقاق تأخر كثيرا، ودَين ثقيل على الدولة أن تؤديه لأبناء وبنات هذا الوطن الذين أفنوا زهرة أعمارهم بين السبورة والطبشورة، بين الأقسام الضيقة والمناهج المتراكمة، بين صبر لا ينفد وعطاء لا ينضب. وإذا كان المثل يقول: “من جدّ وجد ومن زرع حصد”، فإن الأساتذة قد جدّوا حتى أرهقهم الجَدّ، وزرعوا حتى كلّت أياديهم من الزرع، فهل يعقل أن يحصدوا اليوم الخيبة والخذلان؟

ولعل ما يزيد الطين بلة أن هذا الملف لم يعد مجرد مطلب نقابي فحسب، بل صار رمزا لمصداقية الدولة في الوفاء بوعودها. فإذا تراجعت الوزارة عن التزاماتها، أو لجأت إلى سياسة التسويف التي جربت من قبل وأثبتت عقمها، فإن الشرخ الذي سينتج بين الأسرة التعليمية والمؤسسات الرسمية سيكون عميقا، وسيحتاج إلى سنوات من البناء لإصلاحه. فالثقة إذا انكسرت صعب ترميمها.

اليوم، يطالب الأساتذة بإنفاذ ما كُتب واعتُمِد ونُشر، يطالبون بتوضيح رسمي صريح، بعيدا عن الضبابية والتصريحات الفضفاضة. يريدون جوابا واحدا: هل ستمضي الوزارة في احترام تعهداتها كما هي منشورة في الجريدة الرسمية، أم ستدخل الملف في دهاليز التأجيل والتأويل؟

كما أن التعليم أكبر من أن يكون ورقة انتخابية، وأسمى من أن يزج به في لعبة المصالح. التعليم شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تثمر عقولا نيرة وقلوبا واعية، ومن العبث أن نعرضها لرياح العبث والتهميش.

إن صبر الأسرة التعليمية طويل، لكن للصبر حدود. وإن كان الأستاذ قدوة في الانضباط والتضحية، فإن كرامته ليست مجالا للتسويف. فإما أن تنصفه الدولة إنصافا صريحا، وإما أن يعود إلى الشارع كما فعل قبل سنتين، ليُسمِع صوته عاليا مدويا.

فالمعادلة اليوم واضحة: بين عهد موثق في الجريدة الرسمية، ووعد مهدور في أروقة الوزارة. وما بين الحق والباطل إلا كلمة، فإن صدقت الكلمة عم العدل والرضا، وإن كذبت اشتعلت نيران الغضب، وكان للأساتذة قولهم الفصل في الشارع. فهل تعي الوزارة حجم اللحظة، أم ستظل تراوح مكانها حتى تنفجر الشرارة الكبرى؟

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: