صوت الأمة : المصطفى دراݣي
ها هو وزير التربية الوطنية يطل علينا مرة أخرى، لا ليعلن عن خطة إنقاذ للتعليم، بل ليكشف “أعجوبة الحساب”: 20 مليار درهم تصرف على الأساتذة ولا مردود! وكأن التعليم مصنع يقاس إنتاجه بالطن، أو حقل يحصى محصوله بالكيلوغرام.
أيها الوزير، هل تريد أن تقنعنا أن الأستاذ هو الآفة، وأن جيشه من “الفاشلين” يلتهم ميزانية الدولة بلا عطاء؟ عجبا! من يزرع في القرى المنسية؟ من يسير على الأقدام في الوحل والثلج ليصل إلى قسمه؟ من يدرس في حجرات بلا نوافذ ولا طاولات؟ أهو الوزير؟ أم الأستاذ الذي تصفه بالعاجز؟
الخطاب ليس جديدا، بل مسرحية مكررة: كلما فشلت السياسات، أُخرج الأستاذ ليكون كبش الفداء. تبدل المناهج كما تبدل ربطات العنق، ثم إذا لم تفلح، أُعلن على الملأ: المدرس فاشل! ولو كان التعليم يقاس بالبلاغات الرسمية، لكنا اليوم في مصاف فنلندا!
تقولون إن “المدرسة الرائدة” رفعت المستوى، وإنها نموذج يحتذى. فكيف نجحت بين أيدي “فاشلين”؟ أليس في ذلك تناقض فاضح؟ إما أن مشروعكم كذبة تسويقية، أو أن المدرسين ناجحون وأنتم تكذبون. في الحالتين، سقط القناع!
من السهل أن يتهم الوزير الأساتذة من مقعده الوثير في البرلمان، لكن هل جرب أن يدخل قسما مكتظا بـ 50 تلميذا؟ هل جرب أن يشرح درسا بلا سبورة ولا كتب مدرسية كافية؟ هل جرب أن يُقنع تلميذا جائعا بأن المعادلات أسهل من لقمة الخبز؟ إذا فعل، فليتكلم. وإلا فالصمت أبلغ.
الحقيقة التي تهربون منها، سيادة الوزير، أن أزمة التعليم ليست في الأستاذ، بل في سياساتكم المرتجلة التي تغير البرامج كما يغير التلميذ أقلامه. في إنفاقكم على “الواجهة” بدل الجوهر، وعلى “الشعارات” بدل المحتوى. الأستاذ ليس فاشلا، بل أنتم من فشل في استشارته، في تكوينه، في احترامه.
أيها الوزير، لستم أول من جرب حيلة “الأساتذة سبب الخراب”، لكن تذكروا: التاريخ لا يرحم. سيذكر أنكم جعلتم من حماة المعرفة شماعة تعلقون عليها هزائمكم، وأنكم فضلتم جلد الميدان بدل إصلاح السياسات.
فلتسمع أيها الوزير جيدا: إن الأستاذ هو الجدار الأخير الذي يحول دون انهيار المدرسة العمومية. أما أنتم.. فأنتم الخبراء في صناعة الأعذار وتوزيع الاتهامات!