أخر أخبار

تقرير *السلطة القضائية بالمغرب:* ‏ *سنة 2024 محطة حاسمة في استكمال البناء المؤسساتي* ‏ *وتعزيز التعاون الحكومي*

30 أكتوبر 2025
A+
A-

صوت الأمة:

شهدت سنة 2024 دينامية إصلاحية متميزة عرفها ورش إصلاح منظومة العدالة بالمملكة، ‏ومنعطفاً حاسماً في استكمال البناء المؤسساتي للسلطة القضائية بالمغرب، حيث واصل المجلس الأعلى ‏للسلطة القضائية تنفيذ سلسلة من المبادرات التشريعية والتنظيمية والإدارية الرامية إلى ترسيخ ‏الاستقلال المؤسسي، وتعزيز الحكامة في التدبير، وتحقيق التمكين الاقتصادي والتحصين الاجتماعي ‏للقضاة. وتأتي هذه الجهود في إطار المخطط الاستراتيجي 2021 – 2026، الذي يضم 163 إجراءً موزعة ‏على سبع توجهات كبرى، أبرزها تعزيز استقلال السلطة القضائية وتخليق المرفق القضائي‎.‎
وقد عزز المجلس مكانته كفاعل استراتيجي في الإشراف على تدبير المنظومة القضائية وضمان ‏استقلاليتها، من خلال تفعيل مخططه الاستراتيجي بكفاءة ونجاعة، وتحديث المنظومة القانونية ‏والتنظيمية، وتحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للقضاة والمسؤولين القضائيين، إلى جانب ‏إرساء هيكلة إدارية متطورة تواكب رهانات المرحلة وتحقق النجاعة في تدبير الموارد البشرية والإدارية‎.‎
وأكد المجلس أن المهام الاستراتيجية الموكولة إليه تستدعي الرفع من قدراته المؤسساتية وتزويده ‏بالآليات القانونية والتنظيمية اللازمة التي تكفل مكانته كمؤسسة قيادية للسلطة القضائية، وتمكنه ‏من تنفيذ برامجه ومخططاته الإصلاحية بفعالية.‏
‏ وفي هذا الإطار، عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية على إصدار النظام الداخلي الجديد، ‏والمساهمة في تفعيل النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة بالمعهد العالي للقضاء، بما يعزز ‏الحكامة القضائية ويكرس استقلال السلطة القضائية.‏
وتفعيلا لصلاحيات المجلس الممنوحة له دستوريا في الفصل في 113، من خلال إبداء الرأي ‏باعتباره قوة اقتراحية في المجال التشريعي، واصل تكثيف التنسيق مع وزارة العدل بشأن مشاريع ‏النصوص القانونية والتنظيمية وإدارة الجوانب الإدارية والمالية للإدارة القضائية، بما يضمن انسجام ‏برامج الإصلاحات وتكاملها مع مختلف مسارات تطوير منظومة العدالة‎.‎
‏*أبرز مجالات العمل*
وفي سبيل ترجمة هذه الرؤية الإصلاحية إلى خطوات عملية ملموسة، بادر المجلس الأعلى للسلطة ‏القضائية إلى اعتماد خطة عمل متكاملة ارتكزت على ثلاثة محاور كبرى، شكلت الأساس لبناء ‏مؤسساتي متين ومتوازن. همّت هذه المحاور تعزيز المنظومة القانونية بما يواكب مستجدات الساحة ‏القضائية، وتحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للقضاة والمسؤولين بما يضمن استقلاليتهم ‏وكرامتهم، ثم تنزيل التنظيم الهيكلي الجديد للمجلس بما يعزز حكامته الداخلية ويرفع من نجاعته في ‏التدبير‎.‎
 *إصلاحات تشريعية وتنظيمية*
‏ شكل إصدار النظام الداخلي الجديد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية منعطفاً محورياً في ‏مسار تحديث القضاء بالمغرب، إذ جاء متوافقاً مع التعديلات الجوهرية التي عرفها القانونان ‏التنظيميان للمجلس والنظام الأساسي للقضاة سنة 2023. وقد ركزت الإصلاحات على تقوية مساطر ‏التأديب، وتحديد اختصاصات لجنة الأخلاقيات، وتعزيز شفافية اختيار المسؤولين القضائيين، ‏وتطوير آليات تقييم الأداء، إلى جانب إعادة هيكلة الهياكل الإدارية، ما أسهم في منح المجلس قدرة أكبر ‏على إدارة المنظومة القضائية بفعالية وكفاءة. وحصول النظام الداخلي على مصادقة المحكمة ‏الدستورية في يناير 2024 بمطابقته للدستور، وهو ما أكسب هذه الإصلاحات بعداً مؤسساتياً راسخاً‎.‎
وفي خطوة موازية، عمل المجلس على تفعيل مقتضيات القانون رقم 37.22 المتعلق بالمعهد العالي ‏للقضاء، من خلال إعداد نصوص تنظيمية أساسية تنظم مباراة الملحقين القضائيين، وامتحانات ‏التخرج، ونظامه الداخلي، وهيكلته الإدارية. وقد شكلت هذه النصوص قاعدة عملية لإطلاق المعهد ‏بصيغته الجديدة، مؤكدة إرادة المجلس في تحديث منظومة تكوين القضاة وتأهيلهم، بما يعزز جودة ‏الأداء القضائي ويضمن استدامة الإصلاحات في مختلف أبعاد السلطة القضائية‎.‎
 *تعزيز الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للقضاة*
‏ لم يقتصر عمل المجلس على الإصلاح التشريعي فحسب، بل شمل أيضاً الجانب الاجتماعي ‏والاقتصادي للقضاة، حيث عمل على مراجعة التعويضات الخاصة بالمسؤولين القضائيين ورؤساء ‏الغرف بمحكمة النقض، عبر المرسوم رقم 2.24.485 الصادر في أكتوبر 2024، بما يراعي جسامة ‏المسؤوليات الملقاة على عاتق هذه الفئة‎.‎
كما تمّت الاستجابة للمطلب المتعلق بزيادة أجور الملحقين القضائيين، الذين ظلّت تعويضاتهم ‏مجمدة منذ 2004، حيث أقرّ نفس المرسوم رفعها إلى مستوى يضمن لهم التمكين الاقتصادي ‏والتحصين الاجتماعي الضروري خلال مرحلة التكوين. خطوة تعتبر إشارة قوية على العناية بالفئات ‏الصاعدة داخل الجسم القضائي‎.‎
 *حصيلة استراتيجية طموحة*
واصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال سنة 2024 تنفيذ مخططه الاستراتيجي للفترة ‏‏2021–2026، المكوّن من 163 إجراءً، يستهدف سبع توجهات رئيسية تشمل: تأهيل القدرات ‏المؤسساتية للمجلس، تعزيز استقلال السلطة القضائية، الارتقاء بفعالية ونجاعة العدالة، تخليق ‏القضاء، تقوية التواصل، تعزيز الثقة في السلطة القضائية، وتحسين التعاون والشراكات‎.‎
وبحسب المعطيات الرسمية، فقد تم إنجاز جميع الإجراءات، حيث بلغت نسبة الإجراءات المنجزة ‏بالكامل 25%، فيما تم تفعيل 52% من الإجراءات بشكل مستدام، بينما بلغت نسبة الإجراءات المنجزة ‏جزئياً 5%، وتوجد 18% من الإجراءات في طور الإنجاز، دون أي إجراء غير منجز مقارنة مع 6 إجراءات ‏كانت مسجلة بداية يناير 2024‏‎.‎
تعكس هذه النتائج تقدماً ملموساً في مسار تنفيذ المخطط الاستراتيجي، ومؤشراً على قدرة المجلس ‏على تحويل أهدافه الإصلاحية إلى واقع عملي، بما يسهم في تعزيز أداء السلطة القضائية ورفع كفاءتها ‏وخدماتها للمواطنين‎.‎
 *تعزيز التنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل في ‏مجال الإدارة القضائية*
شكل التنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل في مجال ‏الإدارة القضائية خلال سنة 2024 أحد أبرز محاور العمل المشترك، تجسيداً لمبدأ التعاون بين ‏السلطات المنصوص عليه في الفصل الأول من دستور المملكة. ويقوم هذا التنسيق على مراعاة استقلال ‏القضاء في المجالات القضائية، مع تعزيز التعاون في مجالات الإدارة القضائية، البنية التحتية ‏للمحاكم، الرقمنة، الموارد البشرية، التكوين، وتحسين الخدمات المقدمة للمتقاضين والمرتفقين‎.‎
وتعد الهيئة المشتركة المنصوص عليها في المادة 54 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق ‏بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الإطار المؤسساتي الأمثل لتعزيز هذا التنسيق، حيث تضم الهيئة ‏المشتركة كل من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والوزير المكلف بالعدل، والوكيل ‏العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، بالإضافة إلى الأمين العام للمجلس ‏الأعلى للسلطة القضائية، والكاتب العام لوزارة العدل. وتشتمل الهيئة المشتركة على لجنة توجيه ‏ولجنة تتبع، بالإضافة إلى أربع لجان موضوعاتية دائمة مختصة بمتابعة الإدارة القضائية، الرقمنة، ‏الدراسات القانونية والتكوين‎.‎
وقد تميز عمل الهيئة المشتركة خلال سنة 2024 بنشاط مكثف، شمل اجتماعات لجنة التوجيه ‏التي رسمت السياسات الكبرى للهيئة وقررت إطلاق أوراش كبرى مثل مراجعة مرسوم الخريطة ‏القضائية، وإحداث محاكم جديدة، وتنزيل البرامج الرقمية بالمحاكم. كما عقدت لجنة التتبع ثمانية ‏اجتماعات لمواكبة تنفيذ قرارات التوجيه، مع التركيز على تتبع مشاريع البنية التحتية، مثل بناء محكمة ‏النقض، ومراقبة جاهزية المحاكم وأقسام قضاء الأسرة، وتسهيل تبليغ الطيات القضائية بالخارج، ‏بالإضافة إلى متابعة منصة تحرير الأحكام الإلكترونية وتنظيم الأبواب المفتوحة بالمحاكم لتعريف ‏المواطنين بالنظام القضائي‎.‎
كما أظهرت الأنشطة الميدانية المشتركة للمجلس والوزارة ورئاسة النيابة العامة أهمية الزيارات ‏الميدانية لتدشين بنايات جديدة ومتابعة سير العمل بالمحاكم، حيث تم تدشين عدد من المقرات في كل ‏من العيون وطنجة وبيوكرى وأكادير، بما ساهم في تعزيز قدرة الإدارة القضائية على أداء مهامها بكفاءة ‏ونجاعة، وتقديم خدمات قضائية أفضل للمرتفقين‎.‎
 *حصيلة عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مجال إبداء الرأي في ‏مشاريع ومقترحات القوانين (التفعيل الإيجابي لآلية إبداء الرأي)‏*
أكد المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال السنوات الأخيرة حضوره البارز كقوة اقتراحية فاعلة ‏في ميدان التشريع المرتبط بالعدالة، انسجاماً مع المقتضيات الدستورية والقانونية التي تنص على مبدأ ‏التعاون بين السلطات. فالمجلس، بحكم موقعه واطلاعه المباشر على إشكالات الممارسة القضائية، بات ‏شريكاً أساسياً في بلورة النصوص القانونية ذات الصلة بمنظومة العدالة، بما يسهم في تجويد المشاريع ‏وتجاوز الاختلالات التي يفرزها التطبيق العملي‎.‎
وقد نص القانون التنظيمي رقم 100.13 في مادته 112 على صلاحية المجلس في إبداء الرأي، بطلب ‏من الملك أو الحكومة أو البرلمان، بشأن كل مسألة تتعلق بالعدالة، وخاصة مشاريع ومقترحات القوانين ‏المرتبطة بالقضاء، واستراتيجيات الإصلاح الكبرى. وتبرز الأهمية المتزايدة لهذه الآلية من خلال الارتفاع ‏الملحوظ في عدد المشاريع المحالة على المجلس بعد سنة 2021، بما يعكس الثقة في خبرته ومرجعيته في ‏المجال القضائي‎.‎
السنة رئاسة ‏الحكومة وزارة ‏العدل الأمانة العامة ‏للحكومة جهات ‏أخرى المجموع
‏2022‏ ‏0‏ ‏13‏ ‏ 1‏ ‏ 2‏ ‏ 16‏
‏2023‏ ‏2‏ ‏7‏ ‏ 5 ‏ ‏1‏ ‏15‏
‏2024‏ ‏1‏ ‏7‏ ‏4‏ ‏0‏ ‏12‏

وهكذا فقد أثبت المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال الفترة 2022-2024 دوره المركزي في ‏هندسة السياسة التشريعية الوطنية ذات الصلة بالعدالة، عبر تفاعل إيجابي وسريع مع المبادرات ‏المحالة عليه، وبما عزز مكانته كمؤسسة دستورية قائمة على الخبرة والتوازن بين السلط، تسهم في ‏تطوير المنظومة القانونية وترسيخ دولة الحق والقانون‎.‎

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: