
وضاح عبد العزيز
صوت الامة
مكناس.
حين ضاعت روح الخطبة بين التوجيه والإلزام
يعيش الحقل الديني في المغرب، في الآونة الأخيرة، حالة من الجدل المتصاعد بسبب ما بات يُعرف بـ”الخطبة الموحدة”، التي فرضتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على الخطباء في مختلف مساجد المملكة. هذه الخطبة التي كان من المفترض أن تُوحِّد الكلمة وتجمع الصفوف، تحولت – للأسف – إلى مصدر توتر واحتقان داخل أوساط الأئمة والوعّاظ، بعدما أصبحت وسيلة للرقابة والتأديب أكثر منها أداة للتوجيه والإصلاح.
فقد تم، حسب ما تداولته مصادر متعددة، توقيف عدد من الخطباء بسبب عدم التزامهم الحرفي بالنص الموحد، من بينهم خطباء بكل من مسجد أبي بكر الصديق بزغنغن، ومسجد الحاج الريفي بحي النهضة في الرباط، ومسجد الضحى بالدار البيضاء. هذه التوقيفات طرحت أكثر من سؤال حول حدود حرية الخطباء في التعبير عن قضايا الأمة، وحول مدى شرعية مصادرة حقهم في الاجتهاد داخل منابر الجمعة التي كانت عبر التاريخ فضاءً للتنوير والإصلاح.
سيد الوزير أحمد التوفيق،
إن شريحة واسعة من المغاربة عبّرت بصراحة عن رفضها لهذا النمط الموحد من الخطب، معتبرة أنه أفرغ الخطبة من مضمونها الروحي والإنساني، وجعلها أقرب إلى نص إداري جاف لا يلامس وجدان الناس ولا يجيب عن تساؤلاتهم اليومية. لقد كانت الخطبة النبوية منبرًا للتفاعل مع واقع الأمة، لا مجرد تكرار لنص معدّ سلفًا في مكاتب الوزارة.
إننا، ومن باب الغيرة على الدين وعلى مكانة المسجد في المجتمع المغربي، نذكّركم بأن المجلس العلمي الأعلى – رغم مكانته – ليس وحيًا منزلًا، فهو يُصيب ويُخطئ، وأن العلماء والخطباء ليسوا مشوشين ولا خارجين عن الصف، بل هم جزء أصيل من الحقل الديني، يحملون همّ الأمة ويسعون إلى إصلاحها بالكلمة الصادقة والنصيحة المخلصة.
وسيد الوزير، مع كامل التقدير، فإن كثيرًا من العلماء يرون أن تدبيركم للقطاع يغلب عليه الطابع الإداري أكثر من العلمي، وأنكم – بحكم تخصصكم في التاريخ لا في العلوم الشرعية – ربما لا تملكون الإلمام الكافي بخطورة تقييد المنابر، التي ظلت على مر العصور منارات للوعي والبصيرة.
لقد آن الأوان، سعادة الوزير، لإعادة النظر في السياسة المتبعة داخل وزارة الأوقاف، بما يحفظ قدسية المسجد، ويصون مكانة الخطباء، ويعيد الثقة بين المصلين ومنابرهم.
فالدين لا يُدار بالقرارات، ولا تُبنى الروح الإيمانية بالنصوص الموحدة، بل بالصدق في التوجيه، وبالحرص على أن تبقى خطبة الجمعة شعاعًا للهداية لا صدى للتعليمات.
