أخر أخبار

كيف لخصم أن يكون حكما؟

18 نوفمبر 2025
A+
A-

صوت الأمة : المصطفى دراكي

سؤال ينساب على اللسان انسياب الماء على الصفاة، ويطرق باب المنطق طرقا عنيفا، كلما طالعنا تصريحا يثير الدهشة أو موقفا يجافي بديهيات الوساطة وشروط الحياد.

خلال الساعات الأخيرة، خرج وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ليعلن رغبة بلاده في «التوسط» بين المغرب وميليشيات البوليساريو. وهي مفارقة تشبه – بلاغة وواقعا – أن يدعي الجار إشعال المصباح وهو الذي قطع الكهرباء، أو أن يتقمص لاعب خصم دور الحكم في مباراة يشعل فيها فتيل التوتر ولا يطفئه.

فالوساطة مقام لا يرقى إليه إلا من خلع ثوب الانحياز، وتجرد من نوازع الخصومة، وحمل في كفيه ميزان العدل لا ميزان المصالح الضيقة. فكيف لبلد جعل من معاكسة الوحدة الترابية للمغرب سياسة ثابتة، ومن دعم كيان وهمي عقيدة دبلوماسية، أن يقنع العالم بأنه وسيط نزيه؟

إن الوسيط، في الأعراف الدولية، منزه عن الخصومة، محايد في الهوى، صادق في المسعى. أما حين يتحول الخصم إلى “وسيط”، فالنتيجة أشبه بمحاولة إطفاء الحريق بالبنزين، أو كمن يريد أن يداوي جرحا بملح.

لقد أثبت المغرب، تاريخا ودبلوماسية، أنه لا يقبل إلا الحلول المبنية على الشرعية الدولية، ولا يستجيب إلا للمبادرات التي تعلي صوت الحكمة فوق ضجيج الحسابات، وتستند إلى الواقعية التي تجسدها مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الأنجع والأوسع دعما. وفي المقابل، ظلت الجزائر تصر على دور «الفاعل الخفي»، مرة تدعي الحياد، ومرة تقر بأدوارها، وثالثة تعود لتلبس ثوب الوسيط. وهذا التذبذب وحده كاف لنسف أي ادعاء بالوساطة، فكيف إذا أضيف إليه تاريخ طويل من الدعم السياسي والمالي والعسكري للانفصاليين؟

إن الدبلوماسية الرصينة لا تبنى على التناقضات، ولا تقوم على ازدواجية الأدوار. فالذي يريد الوساطة عليه أولا أن يطفئ نار الخصومة في صدره، وأن ينصت لصوت العقل، قبل أن يقدم نفسه حكما بين طرفين يعرف العالم بأسره أيهما المعتدي وأيهما المعتدى عليه.

وفي النهاية، يظل السؤال قائما، يرفرف كراية فوق كل هذا المشهد:

كيف لخصم أن يكون حكما؟

وكيف لمن زرع الشوك في الطريق أن يدعي أنه يسعى لتعبيده؟

إنها مفارقة الدبلوماسية حين ينقلب المنطق ظهرا لبطن، وحين يريد اللاعب أن يحكم المباراة… وهو أول من كسر قواعدها.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: