أخر أخبار

المجلس الأعلى للسلطة القضائية يساهم في تكريس حقوق الإنسان وحماية ‏الحريات (تقرير 2024)

19 نوفمبر 2025
A+
A-

صوت الأمة:

تُعد منظومة حقوق الإنسان الركيزة الأساسية لبناء دولة الحق والقانون، باعتبارها الضامن ‏الأول لكرامة الأفراد وحرياتهم، والمحدد لتوازن الحقوق والواجبات داخل المجتمع. وفي هذا الإطار، أولت ‏المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، اهتمامًا ‏متناميًا بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وتكريس مبادئ العدالة، عبر الانخراط الفعّال في المنظومة ‏الأممية، وملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فضلاً عن تعزيز الأدوار ‏المؤسساتية المعنية‎.‎
وفي صلب هذه الدينامية، يضطلع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بدور محوري في صون ‏الحقوق والحريات، من خلال آليات عمل مؤسساتية وإدارية تستهدف دعم دور القضاء كحامٍ لحقوق ‏الأفراد والجماعات وضامن لحرياتهم وأمنهم القضائي. ويعمل المجلس، في تنسيق وثيق مع باقي ‏القطاعات والمؤسسات الوطنية، على تنزيل برامج ومخططات متكاملة تحقق الالتقائية المطلوبة، ‏وتنسجم مع الاستراتيجيات الوطنية في مجال حقوق الإنسان‎.‎
كما يولي المجلس أهمية خاصة للتفاعل مع آليات الأمم المتحدة المعنية، وتطوير السياسات ‏القضائية المرتبطة بالقضايا الحقوقية الكبرى، وفي مقدمتها تدبير ملف الاعتقال الاحتياطي، وظروف ‏الاحتجاز، وضمان شروط المحاكمة العادلة‎.‎
وفي هذا السياق، سنتوقف عند ثلاث محطات بارزة تجسد جهود المجلس الأعلى للسلطة ‏القضائية في ترسيخ منظومة حقوق الإنسان، تتمثل في: التفاعل مع آليات الأمم المتحدة (أولاً)، تدبير ‏موضوع الاعتقال الاحتياطي (ثانياً)، ثم معالجة قضايا السجناء وضمان حقوقهم القانونية والقضائية ‏‏(ثالثاً)‏‎.‎
أولاً: التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان
يواصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية تكريس حضوره الفاعل على الساحة الدولية في مجال ‏حقوق الإنسان، من خلال تفاعل متقدم مع آليات الأمم المتحدة ومختلف المؤسسات الأممية ذات ‏الصلة، وهو ما يجسد التزام المملكة الراسخ بمبادئ الشرعية الدولية، وتوجهها الثابت نحو صون ‏الحقوق والحريات‎.‎
‏1.‏ المساهمة في إعداد التقارير الوطنية
في انسجام تام مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، ساهم المجلس الأعلى ‏للسلطة القضائية خلال سنة 2024 في دعم جهود المملكة الرامية إلى الوفاء بتعهداتها الأممية، عبر ‏تزويدها بالمعطيات والمعلومات المرتبطة بمجال اختصاصه. وقد شمل ذلك إعداد المعلومات الخطية ‏المتعلقة بتنفيذ توصيات اللجنة المعنية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والمساهمة في ‏تنفيذ التوصيات الختامية للجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فضلاً عن الإسهام في ‏إعداد التقرير المرحلي الخاص بتتبع تنفيذ توصيات الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري ‏الشامل لسنة 2022‏‎.‎
كما انخرط المجلس بجدية ومسؤولية في المبادرة التي أطلقتها المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق ‏الإنسان، والمتعلقة بإعداد خطة وطنية لتتبع تنفيذ التوصيات الصادرة عن آليات الأمم المتحدة، حيث ‏شارك في مختلف الاجتماعات التنسيقية المرتبطة بها، والتزم بتفعيل التوصيات التي تدخل ضمن نطاق ‏اختصاصاته، بما يعزز التنسيق المؤسساتي ويضمن الانسجام مع الاستراتيجية الوطنية في مجال ‏حقوق الإنسان‎.‎
‏2.‏ دعم التعاون مع الآليات الأممية غير التعاهدية
في إطار التزامه بتعزيز حضور المغرب على الساحة الدولية في مجال حقوق الإنسان، وحرصه على ‏الانفتاح على مختلف الشركاء الأمميين، واصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال سنة 2024 ‏انخراطه الفعّال في جهود الدولة الرامية إلى دعم التعاون مع الآليات الأممية غير التعاهدية، بما فيها ‏الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، إلى جانب باقي الهيئات والأجهزة التابعة للأمم المتحدة‎.‎
وقد جسّد المجلس هذا الانخراط من خلال تزويد هذه الآليات بالمعطيات القضائية الدقيقة، ‏والمشاركة النشطة في الاجتماعات التنسيقية ذات الصلة، إلى جانب الإسهام في إعداد دراسات وتقارير ‏أممية تناولت قضايا حقوقية بالغة الأهمية، من أبرزها‎:‎
• الحق في التنمية‎: ‎‏ من خلال المساهمة في تقرير فريق الخبراء حول المشاركة الفعّالة والحرة ‏للمرأة في التنمية وصنع القرار‎.‎
• استقلال القضاء‎: ‎‏ من خلال المساهمة في تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة ‏والمحامين بخصوص التأثير غير المشروع للفاعلين الاقتصاديين على منظومة العدالة‎.‎
• حقوق الإنسان في إقامة العدل‎: ‎‏ من خلال المساهمة في استبيان المفوضية السامية ‏لحقوق الإنسان حول العدالة وحقوق الإنسان‎.‎
• العنف المبني على النوع‎: ‎‏ من خلال الإسهام في دراسة اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق ‏الإنسان حول العنف الميسر بالتكنولوجيا وتأثيراته على النساء والفتيات‎.‎
• الأسلحة النارية‎: ‎‏ من خلال تقديم معطيات لتقرير مفوضية حقوق الإنسان حول آثار ‏اقتناء المدنيين للأسلحة النارية واستخدامها‎.‎
• عقوبة الإعدام‎: ‎‏ من خلال المساهمة في الدراسة الاستقصائية التي أنجزها مكتب الأمم ‏المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة حول عقوبة الإعدام‎.‎
• بيع الأطفال والاستغلال الجنسي‎: ‎‏ من خلال الإسهام في تقرير المقررة الخاصة حول هذه ‏الظاهرة‎.‎
بهذا الحضور النوعي، يؤكد المجلس الأعلى للسلطة القضائية موقعه كشريك مؤسساتي أساسي ‏في الدبلوماسية الحقوقية للمملكة، ويساهم في تعزيز صورة المغرب كدولة منخرطة بجدية في المنظومة ‏الأممية، وقادرة على تزويدها بالخبرة والمعطيات اللازمة لترسيخ ثقافة العدالة وحقوق الإنسان‎.‎
‏3.‏ تعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان
انسجاماً مع التزاماته بتنفيذ التوصيات الصادرة عن الآليات الأممية والاتفاقيات الدولية ذات ‏الصلة، عزز المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال سنة 2024 حضوره في المشهد الحقوقي، من خلال ‏مشاركته الفاعلة في ندوات ودورات تكوينية ومبادرات دولية متنوعة. وهو ما يعكس إرادة المجلس في ‏تبادل الخبرات، وتقوية القدرات المؤسساتية، وجعل ثقافة حقوق الإنسان ركيزة لتعزيز العدالة ‏والمساواة وضمان الحقوق والحريات‎.‎
ثانيا: وضعية الاعتقال الاحتياطي
يعد الاعتقال الاحتياطي من أكثر التدابير الإجرائية إثارة للنقاش في المنظومة الجنائية، باعتباره ‏أداة مزدوجة الأبعاد: فمن جهة يشكّل وسيلة وقائية لحماية سير العدالة وضمان حضور المشتبه فيهم ‏أمام القضاء، ومن جهة أخرى يُلامس بشكل مباشر إحدى أقدس الحقوق الدستورية، وهو الحق في ‏الحرية الفردية. ولعلّ هذه الطبيعة المركّبة تجعل منه إجراءً استثنائياً، لا يُلجأ إليه إلا في الحالات التي ‏تقتضيها الضرورة القصوى، كخطورة الأفعال المرتكبة، أو احتمال التأثير على الشهود، أو طمس الأدلة، ‏أو المساس بالنظام العام‎.‎
وتماشياً مع هذه الرؤية، اعتمدت السلطة القضائية سياسة ممنهجة تروم ترشيد اللجوء إلى ‏الاعتقال الاحتياطي، وتكثيف استعمال البدائل القانونية، إلى جانب إرساء آليات مؤسساتية ورقمية ‏لتتبع المعتقلين احتياطياً، ورصد المؤشرات الإحصائية بدقة، باعتبارها أداة لتقييم فعالية الأداء ‏القضائي وجودة التنسيق بين مختلف الفاعلين: محاكم، نيابات عامة، غرف التحقيق، هيئات ‏استئناف، وإدارة السجون. هذه الدينامية سمحت بتطوير قاعدة بيانات وطنية حديثة، مدعومة ‏بمنظومة معلوماتية متقدمة، تُتيح إجراء تقييمات دورية، وإنجاز دراسات موضوعاتية، وصياغة ‏توصيات عملية تسهم في تحسين الممارسة القضائية‎.‎
‏1.‏ تراجع غير مسبوق في نسب الاعتقال الاحتياطي يعكس نجاعة السياسة القضائية ‏بالمغرب
شهدت وضعية الاعتقال الاحتياطي بالمملكة خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2024 تحولات ‏نوعية تعكس جهود السلطة القضائية في ترشيد هذا التدبير الاستثنائي وتعزيز البدائل القانونية. ‏فبالرغم من الارتفاع الملحوظ في عدد الساكنة السجنية، الذي انتقل من 64.833 نزيلاً سنة 2011 إلى ‏‏105.094 نزيلاً عند متم سنة 2024، أي بزيادة تجاوزت +62%، فقد سُجّل مسار مغاير على مستوى ‏نسب الاعتقال الاحتياطي‎.‎
فعدد المعتقلين احتياطياً ارتفع بشكل محدود مقارنة مع النمو العام للساكنة السجنية، منتقلاً ‏من 27.470 معتقلاً سنة 2011 إلى 33.405 سنة 2024، أي بزيادة نسبتها +21,6% فقط، مع تسجيل ‏انخفاض لافت سنة 2024 بلغ -13,35% مقارنة مع سنة 2023‏‎.‎
والأهم من ذلك، أن نسبة الاعتقال الاحتياطي من مجموع الساكنة السجنية عرفت تراجعاً ‏تدريجياً ومطّرداً، حيث هبطت من مستويات مرتفعة تجاوزت 42% خلال الفترة (2011-2017)، لتصل ‏إلى أدنى مستوى لها في غضون أربعة عشر عاماً، محققة نسبة 31,79% فقط عند متم سنة 2024. ‏ويُعتبر هذا الانخفاض الحاد، الذي بلغ -30,44% مقارنة بسنة 2020، مؤشراً إيجابياً على نجاح ‏المقاربة القضائية الجديدة التي توازن بين ضمانات المحاكمة العادلة ومتطلبات الأمن القضائي‎.‎
إن هذه الأرقام تعكس بوضوح انتقال السياسة الجنائية من منطق التوسع في الاعتقال الاحتياطي ‏إلى ترشيد استعماله وربطه حصراً بحالات الضرورة، بما يرسخ ثقة المواطن في العدالة، ويُبرز التزام ‏المغرب بالمبادئ الدستورية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان‎.‎
‏2.‏ توزيع المعتقلين الاحتياطيين حسب درجة التقاضي عند متم سنة 2024:‏
سجّل عدد المعتقلين الاحتياطيين عند متم سنة 2024 ما مجموعه ‏‎33.405 ‎معتقلاً، توزّعوا بين ‏مختلف درجات التقاضي، في مؤشر يكشف عن طبيعة هذا التدبير الاستثنائي وارتباطه بمسار ‏الدعوى الجنائية‎.‎
فقد استأثرت محاكم الاستئناف بالنصيب الأوفر، حيث بلغ عدد المعتقلين بها ‏‎26.063 ‎معتقلاً ‏احتياطياً، أي ما يعادل ‏‎%78,02 ‎من المجموع العام، وهو ما يعكس ثقل هذه المحاكم في معالجة ‏القضايا الزجرية الكبرى، خصوصاً تلك المعروضة على غرف الجنايات وقضاة التحقيق، التي تتسم ‏عادة بخطورة الأفعال وتشابك ملفاتها‎.‎
أما على مستوى المحاكم الابتدائية، فقد سُجّل ما مجموعه ‏‎3.966 ‎معتقلاً احتياطياً، أي بنسبة ‏‎11,87% ‎من مجموع المعتقلين، وهو ما يؤكد أن الاعتقال الاحتياطي ظل محدود اللجوء في القضايا ‏ذات الطابع البسيط أو الأقل خطورة‎.‎
وبخصوص محكمة النقض، فقد بلغ عدد المعتقلين المعروضين عليها ‏‎3.376 ‎معتقلاً احتياطياً، ‏بنسبة ‏‎10,11%‎، في ارتباط مباشر مع الملفات التي بلغت مرحلة الطعن بالنقض، مما يعكس دور هذه ‏المحكمة في مراقبة المشروعية وضمان احترام القوانين والإجراءات‎.‎
ويُبرز هذا التوزيع أن الاعتقال الاحتياطي يتركز أساساً في القضايا ذات الطبيعة الخطيرة والمعقدة ‏التي تنظر فيها محاكم الاستئناف، مع تسجيل توجه عام نحو ترشيد استعمال هذا التدبير على مستوى ‏المحاكم الابتدائية، انسجاماً مع السياسة القضائية الرامية إلى تقليص اللجوء إليه إلا في حالات ‏الضرورة‎.‎

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: