
صوت الأمة : المصطفى دراكي
في تصريح مثير للانتباه، عبر الوزير برادة عن عدم رضاه على أداء جزء مهم من أطقم الإشراف التربوي والإداري، من مديرين ومفتشين، رغم ما يمنح لهم من أجور معتبرة وامتيازات وازنة. وأكد، في المقابل، أن المشكل لا يكمن في الأستاذ. وهذه الشهادة، وهي صادرة من أعلى هرم وزارة التعليم، تحرك أسئلة حارقة لا يمكن القفز عليها، وتدعو إلى إعادة توزيع الاعتراف قبل إعادة توزيع الامتيازات.
فإذا كان الأستاذ – كما تشير التجارب الميدانية والوقائع اليومية – هو الجندي المجهول الذي يقف على الخط الأول، يظهر عند غياب غيره، ويصلح عند تقصير سواه، ويرمم الاختلالات التي يحدثها شركاؤه داخل الأسوار وخارجها؛ فكيف يعقل أن يبقى أقلهم أجرة، وأضعفهم امتيازا، وهو أقواهم أثرا، وأعظمهم دورا؟
أليس من الإنصاف، و من الواجب المؤسسي، أن تعاد هندسة منظومة الأجور بما يجعل الأستاذ في المستوى المالي نفسه للمفتش والمدير، أو قريبا منه على الأقل، اتساقا مع دوره ووظيفته؟
أليس من الطبيعي أن تخصص له الوزارة امتيازات تعينه على أداء مهمته، وتشعره بأنه ركيزة تبنى عليها رؤية الإصلاح؟
إن الحديث عن تجويد التعليم دون تجويد وضعية من يدرس، يشبه الحديث عن بناء قصر بيد عاملة منهكة، أو عن زرع حقل بلا ماء. فالأستاذ هو نبض القسم، ونبراس الفعل التربوي، وواسطة العقد بين رؤية الدولة وانتظارات المجتمع. وإذا كان المدير قائدا تنظيميا، والمفتش مؤطرا منهجيا، فإن الأستاذ هو “الصوت والصدى”، “المبتدأ والخبر”، هو “الفاعل الحقيقي في جملة الإصلاح”.
وليس في هذا تقديس لجهة على حساب أخرى، فالمؤسسة التعليمية سفينة لا تسير إلا ببحارتها جميعا؛ غير أن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن سارية السفينة هي الأستاذ، وأن قوة الريح لا تنفع إذا كان العمود متصدعا.
إن الاستثمار في الأستاذ مكسب وامتياز واستحقاق وضرورة تربوية ووطنية. ومن يطمح إلى تعليم قوي، لا بد أن يضع الأستاذ في موقع القوة. ومن يبتغي إصلاحا حقيقيا، لا ينبغي أن يبدأ من القمة، وإنما من هذا “الأساس الإنساني” الذي يقوم عليه كل شيء.
فما قيمة المناهج إن لم تجد من ينزلها بحكمة؟ وما جدوى الرؤى إن لم تجد من يجسدها بخبرة؟ وما فائدة القرارات إن لم تجد من يحتضنها بضمير؟
إن لحظة التصريح الوزاري، بكل ما فيها من صدق وجرأة، فرصة لإعادة البناء؛ولرد الاعتبار للأستاذ،وتجديد الثقة فيه،
وتوفير ما يحتاجه من تحفيز مادي ومعنوي، حتى يتحقق ما نصبو إليه من تعليم يليق بطموح الوطن وكرامة من يصنعون مستقبله.
