صوت الأمة: المصطفى دراݣي
في لحظةٍ حبست فيها أوروبا أنفاسها على وقع انقطاعٍ واسعٍ للكهرباء، أضاء المغرب شمعة الإنقاذ لإسبانيا، لا بخطاب، بل بكابل بحري ينبض بالطاقة منذ عقود، شاهداً على شراكةٍ أضحت نموذجاً للتكامل الحقيقي بين ضفتي المتوسط.
منذ عامي 1997 و2006، يشدّ الكابل البحري عضد الجوار المغربي الإسباني، ضمن مشروع REMO لتبادل الطاقة غرب المتوسّط. هذا الربط، الذي يمتد على مسافة 29 كيلومتراً، يربط بين محطة طريفة في الجنوب الإسباني وبلدة “فرسيوة الفوقانية” قرب مدينة القصر الصغير شمال المغرب، حاملاً في جوفه قدرة تبادلية تصل إلى 1400 ميغاواط، تنساب في الاتجاهين بحسب الحاجة.
ولم يكن هذا الربط مجرّد خط تقني صامت، بل كان جسراً نابضاً بالثقة والتعاون، يمدّ أوروبا بجزء من حاجتها في اللحظات الحرجة، ويرسّخ مكانة المغرب كمركز إقليمي صاعد للطاقة. إنه من أقدم الروابط العابرة للحدود في المنطقة، وبذرة زرعت على ضفاف الأطلسي، فأنبتت شراكات واعدة مع البرتغال وفرنسا، ترنو نحو أفق طاقي مشترك وآمن.
هكذا، لم يكن إنقاذ المغرب لجاره الأوروبي مجرد طارئ عابر، بل لحظة وزنتجلّت فيها معاني الإخاء، وتجسّد فيها دور المغرب كفاعلٍ استراتيجي، لا في الجغرافيا فحسب، بل في الجيواستراتيجية الطاقية، حيث تتحول الكابلات إلى جسور، والمصالح إلى مصيرٍ مشترك.