صوت الأمة :المصطفى دراݣي
حين تغرب الشمس وتبدأ نسمات الليل في التسلل إلى البيوت، يتحول سكون مدينة حد السوالم إلى صراع صامت مع عدو لدود، لا يُرى بالعين المجردة بسهولة، لكنه يترك أثره جليًّا على الأجساد والأنفس: البعوض.
لسعات هنا وهناك، أرق في ليلٍ بهيم، وأطفال يتقلبون في فراشهم كأنهم على جمر، وشيوخ يتمنّون طلوع الفجر قبل موعده، هربًا من هذا الزائر الثقيل. فما إن تسكن الأصوات وتخفت الحركات، حتى تبدأ معركة غير متكافئة، يكون فيها الإنسان ضحية، والبعوض سيد المكان.
إنه ليل موصول بالأرق، وسكون مغمور بالقلق، كأن البعوض قد اتخذ من المدينة موطنًا لا يرحل عنه، وراح يفرض سطوته على أجوائها، دون رحمة ولا هوادة.
يحاول البعص أن يضع حدًا لهذا البلاء؛ فمنهم من لجأ إلى رشّ المبيدات، ومنهم من نصب الحواجز البلاستيكية، ومنهم من استعان بما جادت به الإنترنت من وصفات وحلول. لكن، كأنما البعوض قد تعلّم فنون المقاومة، فازداد عددًا وعدوانًا، وكأن الرش يزيده رشاقة، والصدّ يزيده إصرارًا.
تتردد الأسئلة في الأزقة كما تتردد أزيزات البعوض في الآذان: ما سر هذا الانتشار المفاجئ؟ هل هو خلل في البنية التحتية؟ أم غياب لحملات النظافة والتطهير؟ أين الجهات المسؤولة؟ أهي في سبات، أم أن الأمر لا يعنيها؟
تقول بعض الروايات إن السبب يعود إلى تجمعات المياه الراكدة، والمجاري المفتوحة، والمستنقعات المهملة، التي تحوّلت إلى بيئة مثالية لتكاثر هذه الحشرة المزعجة. وأخرى تؤكد أن تلوث الأجواء بفعل مداخن بعض الوحدات الصناعية هو السبب .
فهل من تحرّك رسمي؟ هل من خطة عاجلة؟ أم أن المواطن سيبقى وحده في ساحة المواجهة، لا سلاح له إلا الصبر والدعاء؟
إن ما تعانيه حد السوالم ليس بالأمر الهيّن، بل هو جرح نازف في جسد المدينة. لسعات البعوض ليست مجرد انزعاج، بل هي تهديد للصحة، وتلويث لراحة السكان، وتشويه لصورة مدينة تُريد أن تتطوّر وتزدهر.
فيا من بيدكم القرار، ويا من في أعناقكم الأمانة، تحركوا قبل أن تُزهق الأرواح الصغيرة، وتُغتال الليالي الهادئة. فالوقاية خير من العلاج، والاهتمام خير من الإهمال، والاستجابة خير من الصمت.