صوت الأمة: المصطفى دراݣي
ما بين مؤيدٍ يرى فيه المنقذ، ومعارضٍ يصفه بالمقامر، يبقى دونالد ترامب رقماً صعباً في معادلة السياسة والاقتصاد. رجلٌ لا يعرف النوم حين يتعلّق الأمر بثروات بلاده، ولا يتردد لحظةً في خوض المعارك إذا كانت الغنائم تصبّ في جيب المواطن الأميركي. تراه يقتحم الأسواق كما يقتحم العاصفة، يقلب الطاولة على خصومه إن لزم الأمر، ويبيع الدنيا بحساب، لا بعاطفة.
منذ أن وطئت قدماه البيت الأبيض، لبس عباءة التاجر لا السياسي، وحمل بيده ميزان الذهب لا دفتر القوانين. مدّ عينيه إلى الخزائن، لا إلى المعاهدات، وأطلق وعوداً لا تعرف التراجع، ثم شرع يسابق الزمن ليفي بها.
خاض حروباً بلا مدافع، وفرض ضرائب بلا اعتذار، ورسم على وجه العالم ملامح صفقة لا تخلو من الشراسة. كل دولةٍ في مرماه كانت سوقاً، وكل اتفاقٍ لم يحقق الربح كان في نظره خسارة. لا شيء عنده أسمى من الربح، ولا صوت يعلو فوق صوت الدولار.
وفي زمن الوباء والغلاء، حين اختنق الهواء وارتجّ الاقتصاد، لم ينكفئ ترامب خلف جدران البيت الأبيض، بل اندفع كسيل جارف يعيد ترتيب أوراق اللعبة. قلّص النفقات، وعدّل الميزانيات، وخاطب الشركات بلغة الربح والخسارة، لا بلغة الرجاء والانتظار.
ثم التفت إلى شركات الأدوية، تلك التي عششت أرباحها فوق آلام الناس، فأشهر في وجهها سيف القرار، وخفّض أسعار الدواء بلا وجل، متحدياً لوبياتٍ تمتد جذورها إلى أعماق المال والنفوذ. لم يخف التهديد، ولم يرتعش من المصالح المتشابكة، بل صرخ في وجه الجشع: “لن تبقى صحة شعبي رهينةً لطمعكم!”
واليوم، في أرض الخليج، يتجول ترامب لا كغريب، بل كمن جاء يقطف الثمار. يعقد الصفقات، ويستقطب الاستثمارات، ويجمع المليارات، لا لحاجة بلاده فحسب، بل لرغد عيش أهلها، ولسقف طموحاتٍ لا يعرف الانكسار. فلا عجب إن رأيته يسابق الظل في سعيه، ويغالب الزمن في خطاه، فكل مشروعٍ جديد هو انتصارٌ في معركة الانتخابات القادمة، وكل فرصة عملٍ هي طابوقٌ في جدار مجده السياسي.
ومع كل ذلك، لا تغفل عينه عن وول ستريت، ولا عن ممولي حملته، ولا عن أصحاب الملايين. إنه يرضي الجميع، لكن شعبه أولاً… وثروته فوق كل اعتبار.
أما اللوم، فليس على ترامب، بل على من باع صوته وسيادته بثمن بخس، وعلى من وهب ثرواته بلا مفاوضة، وعلى حكوماتٍ لا ترى في شعوبها إلا أرقاماً، ولا في أوطانها إلا خزانةً مفتوحة للسيد الأميركي.