أخر أخبار

هل سينظّمنا كأس العالم؟

2 يوليو 2025
A+
A-

صوت الأمة: بقلم محسن عرفات

هل سينظّمنا كأس العالم؟

من سينظّم من؟

مقدمة

قد نبدو أحيانًا كأمة تملك قدرة خارقة على الفرح السريع… والإنكار الأسرع.

نربح ملف تنظيم كأس العالم، فنحتفل وكأننا فزنا بالكأس نفسها.

نعلّق الرايات، نتبادل الفيديوهات، ونتحدث عن “التحول التاريخي”… ثم ننسى فجأة أننا، حتى الآن، لم نُحسن تنظيم حركة المرور أمام المدارس، أو نزع النفايات من الشوارع دون تدخل ملكي.

هذه ليست دعوة للتشاؤم، بل للصدق.

لأن أجمل ما في التنظيم… أن يبدأ من الداخل، لا من الورق.

في هذا النص، لا أحتفل ولا أحذر.

بل أطرح سؤالًا واحدًا بطريقتي:

هل سينظّمنا كأس العالم؟

النص

نعم، المغرب سينظم كأس العالم 2030.

فرحنا، هللنا، تبادلنا صور الملاعب المستقبلية كما يتبادل البعض صور أبنائهم المتفوقين في المدرسة… رغم أن المدرسة نفسها ما زالت تبحث عن باب يُغلق وماءٍ لا ينقطع.

لكن، دعونا من الفرح. السؤال الحقيقي هو:

هل كأس العالم قادر على تنظيمنا؟

هل بإمكانه أن يُقنع سائقًا بأن الضوء الأحمر ليس مجرّد اقتراح؟

أن يشرح لمواطن أن “السينيال” ليس زينةً بل أداة حضارية؟

أن يخبر التاجر أن الميزان ليس لعبة حظ؟

وأن يُذكّر المواطن أن الزبالة مكانها الحاوية، لا عتبة الجار أو عتبة الوطن؟

هل سيُقنع الموظف أن الموعد ليس اقتراحًا بل احترام؟

أن الرشوة ليست أسلوب حياة بل جريمة؟

أن المرأة ليست “فرجة” في الشارع، بل إنسانة تمشي في وطنها دون استهداف؟

أن المواطن الصالح لا يُقاس بطول خطبته في القهوة السياسية، بل باحترامه للقانون حين لا يراقبه أحد؟

هل كأس العالم قادر على إعادة تعريف “الفرحة”؟

أن يُقنعنا أن الاحتفال لا يعني تكسير السيارات، ولا الصراخ بجنون، ولا التبول في الشوارع؟

وأن الهزيمة، في كرة القدم، ليست مؤامرة كونية ضدنا، ولا مبرّرًا لإطلاق الشتائم على أمهات اللاعبين والحكام والكرة نفسها؟

هل نستطيع أن نصفّق للفائز حتى لو لم يكن فريقنا، دون أن نحس بالخيانة؟

وأن نبكي الخسارة دون أن نحطّم الكراسي؟

هل يمكننا أن نحب اللعبة… أكثر من حبنا للضجيج الذي يرافقها؟

ثم ماذا عن الملاعب؟

هل ستكون فقط لصور الإنستغرام والمنشورات الرسمية؟

أم ستكون، فعلًا، بدايةً لتغيير علاقتنا بالرياضة، بالعنف، بالهوية، وبالفرح ذاته؟

هل سنتعلم أن نحترم المنافس، لا نسبه؟

أن نحمّس فريقنا دون أن نحتقر الفريق الآخر؟

أن نكون جمهورًا ناضجًا… لا فقط صوتًا عاليًا؟

نعم، سننظم كأس العالم.

لكن هل سننظم أنفسنا؟

هل سندخل في التمرين الطويل والشاق الذي اسمه: التنمية عبر تغيير السلوك؟

لأن التنمية الحقيقية ليست عدد الملاعب، بل عدد التصرفات التي تغيّرت.

عدد الأذهان التي أقلعت عن العبث.

عدد الضمائر التي استيقظت دون صفارة.

نحن نريد ملاعب نعم، لكن نريد معها شوارع بلا فوضى،

نريد نقلًا حضريًا يحترم المواطن،

إدارة تُعامل الناس كبشر،

وسلوكًا عامًا لا يعتذر منه الوطن.

ونحن لا نريد مغربًا من ثلاث مدن وسبعة مطارات،

بل نريد مغربًا يصل إلى عمقه: إلى الجبال التي لم تر ملعبًا، والقرى التي لم تسمع صافرة قطار.

كأس العالم لا يجب أن يكون عرسًا للمركز، بل فرصة لردّ الاعتبار للهامش… للجنوب، للشرق، للأطلس، ولتلك الدواوير التي لا يصلها شيء إلا الخطب الرسمية.

لكن، لعلّ أجمل ما يمكن أن نتعلمه من كأس العالم…

هو أن العالم واسع، متنوع، متعدد الهويات والثقافات واللغات.

أن الشعوب لا تُقاس بحجم ترسانتها العسكرية، بل بعمق إنسانيتها، وبفنّها في العيش مع الاختلاف.

فهل سيدفعنا هذا الحدث العالمي إلى إعادة اكتشاف هويتنا الأمازيغية، لا كزينة فلكلورية، بل كجزء حيّ من الشخصية المغربية، في تعايش مع العربية، والحسانية، وكل روافد الوطن؟

وهل سنتعلّم أن الانفتاح لا يعني الذوبان، بل يعني النظر في عيون الآخرين دون أن نُدير ظهرنا للذات؟

أن نُحب من نكون، ونحترم من ليس مثلنا؟

ثم، هل سنتعلم شيئًا من المدرجات… غير الهتاف؟

هل سنتعلم أن النقاش لا يعني السب،

وأن النقد لا يعني الخيانة،

وأننا لسنا مضطرين دومًا للاختيار بين الأبيض والأسود،

بين “مع الوطن” أو “ضدّه”،

بين “نعم” أو “اسكت!”

بل يمكن أن نقول: “نعم… ولكن”، دون أن تُكسر رؤوسنا؟

ورغم كل شيء، رغم الرشوة، الزبونية، التحرش، العنف اللفظي،

رغم من يعتقد أن التحضر يبدأ بـ”الكوستيم” وينتهي بالبطاقة الوطنية،

نقول:

نعم، التنمية ممكنة.

نعم، التغيير ممكن.

نعم، سنحتاج وقتًا، وربما سنفشل مرات،

لكننا إن بدأنا من أنفسنا…

إن فهمنا أن التنظيم الحقيقي يبدأ من الشارع قبل المدرج،

ومن المواطن قبل الوزير،

ومن سلوك بسيط كاحترام الموعد أو رمي ورقة في سلة المهملات،

ومن جمهور يعرف كيف يفرح دون أن يصرخ، ويخسر دون أن يسب،

ومن مواطن لا يخجل من اختلافه، بل يعتز بهويته وينفتح على غيره…

عندها فقط…

Yes we can.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: