صوت الأمة:المصطفى دراݣي
أطلقت منظمة “غرينبيس” نداء تدعو فيه المغرب ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مراجعة البوصلة، والسير بخطى ثابتة نحو أنظمة غذائية محلية، ترتكز على المعارف الأصيلة لصغار الفلاحين والمجتمعات الأصلية، وتعلي من شأن الإنسان على حساب جشع الشركات، وتقدّم كرامة الشعوب على أرباح الرأسمال.
في عريضة دولية، سلّطت “غرينبيس” الضوء على مأساة النظام الغذائي العالمي، الذي بات في قبضة الزراعة الصناعية الملوِّثة، وصناعة غذاء لا تعرف للرحمة سبيلا، إذ تُسخَّر لخدمة مصالح الشركات المتعددة الجنسية، فيما يُقصى المنتجون الحقيقيون للغذاء، من فلاحين وحرفيين وتعاونيات صغيرة، ويُطوّقون بهجمة شرسة يقودها رأس المال على بيئة باتت تختنق.
“غرينبيس” رفضت الرضوخ لفكرة أن ما نعيشه قدر محتوم، مؤكدة أن هذا الوضع ليس إلا ثمرة مرّة لعلاقات اجتماعية فُرضت قسرا، وقوامها القمع والاحتواء، ونُسجت خيوطها في مصانع الاستعمار الجديد، تحت راية الرأسمالية المتوحشة، وفي ظل صعود فاشيات جديدة تعبث بالإنسان والطبيعة، وتنذر بكوارث غير مسبوقة، تتجسد أبرز صورها في الإبادة الإسرائيلية المستمرة لشعب غزة الصامد.
وشددت المنظمة على أن الشعوب تستحق انتقالا بيئيّا عادلا ومستداما، قاعدته غذاء صحي، يراعي خصوصيات الثقافات والتواريخ، ويُنتج بأساليب عادلة اجتماعيًا، مستدامة بيئيا، منصفة اقتصاديا. ولا يتحقق هذا البديل، إلا بتوحيد النضالات في سبيل العدالة: الاقتصادية والاجتماعية، البيئية والجندرية، العرقية وبين الأجيال.
السيادة الغذائية، حسب “غرينبيس”، حق أصيل، يضمن للشعوب السيادة على أراضيها وبذورها وتنوعها البيولوجي، عبر دعم الزراعة الإيكولوجية، والتصدي للزراعة الصناعية الملوثة، والسياسات النيوليبرالية التي حولت الغذاء إلى سلعة، والإنسان إلى مستهلك مغلول اليد.
وليس هذا فحسب، بل هي أيضا اعتراف بدور النساء المحوري في إنتاج الغذاء وصنع السياسات، وتأكيد على حق صغار المنتجين والعمال في ظروف معيشة كريمة وأجور عادلة، وعلى حق الشعوب في غذاء صحي، كاف، مناسب لثقافاتها، وبأسعار عادلة تحفظ الكرامة.
وفي ختام نداءها، أكدت “غرينبيس” أنه لا يزال في الوقت متّسع لإنقاذ الأرض والإنسان، وأنه بالإمكان إطعام العالم بكرامة، وتفادي أزمات الجوع والمناخ والتنوع البيولوجي، عبر تبني الزراعة الإيكولوجية التي تضع السيادة الغذائية والعدالة المناخية في قلب معركة الكرامة الإنسانية.
فليكن هذا النداء جرس تنبيه لا يعلو عليه صوت، لعلّ العالم يصحو من سباته، ويختار درب الإنصاف بدل الاستغلال، والرحمة بدل الربح، والسيادة الغذائية بدل التبعية المهينة.