صوت الأمة
خرج وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، السيد محمد سعد برادة، بتصريح حاسم يضيء شمعة في نفق الجدل المتصاعد حول استعمال الهواتف المحمولة داخل المؤسسات التعليمية، حيث شدد على أن الوزارة لا تُعادي التكنولوجيا، ولكنها تعادي الفوضى التي قد تُولدها في عقر الفصول الدراسية.
برادة، وفي تفاعل رسمي مع سؤال برلماني للنائبة عزيزة بوجريدة، أعاد إلى الأذهان المذكرة رقم 01/2018، التي تُجرّم استعمال الهواتف المحمولة من قبل التلاميذ والأطر التربوية داخل الأقسام، إلا في حالات استثنائية محكومة بضوابط دقيقة. وقد علل هذا المنع بكون الهواتف، حين تُستخدم بغير ترشيد، تُحوّل الفصل إلى حلبة تشويش بدل أن يكون حاضنة للمعرفة والتكوين.
وفي خطوة تُزاوج بين الحزم والمرونة، أعلنت الوزارة عن نيتها إصدار دليل خاص بالاستخدامات التربوية المسموح بها، يوضح ما يجوز وما لا يجوز، ويُشرك أولياء الأمور في حلقات التوعية الدورية، في مسعى لإحياء جسور التعاون بين البيت والمدرسة، فالتلميذ لا يترعرع في قاعة الدرس فقط، بل في حضن أسرة تشاركه تربية العقول وغرس القيم.
وقد وصف الوزير بعض الظواهر المرتبطة بالهاتف بـ”السلوكات المنافية لتحصيل المعارف”، مؤكدا أن التصفح العبثي والتصوير غير المأذون يُعد تعديا على زمن التعلم وحرمة المؤسسات، وانتهاكا للخصوصيات. فالمدرسة ليست فضاءً للتسلية والتشهير، بل محراب علم ومسؤولية.
ومع كل هذه الصرامة، لم تُغلق الوزارة الباب أمام الاستعمال العقلاني للتكنولوجيا، إذ فتحت نافذة صغيرة في جدار المنع، تتيح للتلميذ، بتنسيق مسبق مع أستاذه، استعمال الهاتف لأغراض تربوية بحتة، كاستكشاف المحتوى الرقمي التفاعلي، وتحفيز التفاعل والمشاركة.
هكذا إذن، تمضي الوزارة في مسار “لا إفراط ولا تفريط”، تُحصّن المدرسة من مآسي الشاشات، وتحتفي بمحاسن الرقمنة، شرط أن يُستخدم الهاتف كأداة بناء لا كأداة هدم، وكجسر للمعرفة لا كهاوية للانشغال والشرود.