صوت الأمة: المصطفى دراݣي
في العشرين من غشت من كل عام، يخلد المغرب إحدى أنصع الصفحات في تاريخه المعاصر: ذكرى ثورة الملك والشعب. لم تكن تلك الثورة حدثا سياسيا عابرا، بل كانت لحظة فاصلة أعادت صياغة علاقة العرش بشعبه، ورسمت معالم شرعية جديدة، تقوم على التلاحم والمصير المشترك، بدل منطق التبعية الذي حاول الاستعمار تكريسه حينما أبعد الملك الشرعي محمد الخامس عن عرشه سنة 1953.
لقد أثبتت وقائع تلك المرحلة أن شرعية العرش المغربي لا تُستمد من الخارج، ولا تُفرض بالحراب، بل تُستمد من عمق الأمة، ومن الإجماع الشعبي حول رمزية الملك ووظيفته الجامعة. فكان النفي إيذانا بميلاد ثورة، وكان المنفى بداية لصحوة، إذ توحد المغاربة، من الشمال إلى الجنوب، خلف قيادتهم الشرعية، ليصبح الاستقلال بعد ذلك تتويجا لنضال طويل، لا منّة فيه لأحد غير الشعب وملكه.
واليوم، وبعد اثنين وسبعين عاما، تظل هذه الذكرى شاهدة على أن الشرعية التاريخية والسياسية للمؤسسة الملكية لم تتجذر فقط في معركة التحرر، بل تجدّد نفسها باستمرار من خلال القدرة على قيادة تحولات كبرى. ويأتي عيد الشباب، المصادف لذكرى ميلاد جلالة الملك محمد السادس، ليشكل امتدادا رمزيا لهذه المسيرة، حيث يلتقي الماضي بالمستقبل: من ثورة تحرير الأرض إلى ثورة بناء الإنسان.
فالرهان لم يعد اليوم هو استرجاع السيادة، بل حسن تدبيرها. لم يعد التحدي هو رفع علم الوطن، بل تثبيت مكانته بين الأمم. وهنا يبرز البعد السياسي لثنائية “ثورة الملك والشعب” و”عيد الشباب”: فالأولى تعيد للأذهان مشروعية الوحدة الوطنية في مواجهة الاستعمار، والثانية تعكس مشروعية الإصلاح والتحديث في مواجهة تحديات العصر.
إن الشباب المغربي، وهو يخلّد هذه الذكرى المزدوجة، يجد نفسه أمام مسؤولية تاريخية لا تقل جسامة عن مسؤولية الأجداد. فإذا كانت المقاومة قد حررت الوطن من الاستعمار، فإن جيل اليوم مدعو لتحرير الحاضر من قيود البطالة والهشاشة والفكر الاتكالي، ولإبداع نموذج تنموي يزاوج بين الأصالة والحداثة، ويجعل من المغرب قوة إقليمية صاعدة، تستند إلى إرادتها السياسية المستقلة، ورأسمالها البشري الشاب.
وما بين الأمس واليوم خيط ناظم لا ينقطع: التحام العرش بالشعب. إنه سرّ الاستمرارية، وضمانة الوحدة، ورهان المستقبل. وهكذا، تبقى ذكرى ثورة الملك والشعب ليست فقط درسا في الوطنية، بل أيضاً مدرسة في السياسة، تُعلم أن الشرعية تُبنى بالثقة، وأن التنمية لا تقوم إلا بالتلاحم، وأن الشباب هم وقود أي تحول ناجح.