أخر أخبار

قطاع الصحة بالمغرب : خطوات ثابتة نحو المستقبل وعثرات طارئة في الحاضر

26 سبتمبر 2025
A+
A-

 

 

صوت الأمة: بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين

يمكنك بعد ستة أشهر أن تهيئ مواطنا ليكون مدرسا ، لكنك من سابع المستحيلات أن تهيئ طبيبا متخصصا في أقل من ست سنوات.

لذلك عندما يكون العجز في القطاع الصحي في تصاعد تراكمي مع توالي السنوات ،فإن المعالجة الفورية هي ضرب من المستحيل إلا إذا تمت الاستعانة بالعمالة الأجنبية من الأطباء وما يعنيه ذلك من ضرب لإحتياط البلاد من العملة الصعبة والذي يضرب تبعا لذلك كل القطاعات خاصة الاقتصادية منها .

والمغرب ـوحسب ما أكده تقرير الخمسينية في بداية عهد الملك محمد السادس و زكاه تقرير. البرنامج التنموي الجديد ـ قد ورث وضعا صحيا فيه تفاوت كبير بين عدد الأطباء و عدد الساكنة ، بل إن البلاد في مراحل ،عجزت حتى عن مقاومة بعض الأوبئة التي كانت تضربها و تقف المنظومة الصحية عاجزة عن مقاومتها.

من هنا بدأ الحديث عن إعادة هيكلة القطاع وفق منظومة محكمة ، تتطور و تساير الوضعية الراهنة ،وفي الوقت نفسه تبني استراتيجية المستقبل التي ستوصل البلاد إلى التوازن الواجب بين العرض و الطلب .

من هنا بدأت الدولة في الاستثمار في إحداث كليات للطب ، حيث شهد المغرب خلال الربع قرن الماضي، وتحديدا منذ بداية الألفية الثالثة، تطورا ملحوظا في إحداث كليات طب جديدة، وذلك بهدف سدّ الخصاص في الموارد البشرية الصحية والاستجابة للنمو الديموغرافي واحتياجات القطاع الصحي. هذا التطور كان جزءا من استراتيجية أوسع لتعزيز التكوين الطبي في البلاد.

يومها لا أحد إنتبه الى حجم الاستثمار الذي تنفقه الدولة على هذا الإختيار ، عكس إهتمام الناس اليوم بما يستثمر في القطاع الرياضي و المنشآت و التظاهرات الرياضية .

في بداية القرن الحادي والعشرين، كان المغرب يتوفر على أربع كليات طب وصيدلة عمومية فقط، موزعة في المدن الكبرى (الرباط، الدار البيضاء، فاس، ومراكش).

كليات محدودة الاستقطاب مع إعتماد معدلات لا تجعل ولوجها في متناول غالبية الطلبة ، وضع جعل استفادة الدولة منها محدودا ،ناهيك عن هجرة الكثير منهم بعد التخرج إلى الخارج بحثا عن فرص أحسن.

وفي الوقت نفسه يزداد الطلب على الخدمات الطبية و يزداد نمو السكان ،و يزداد وعيهم بأهمية العناية بصحتهم ،و كان لابد من الإنتقال إلى السرعة القصوى و وضع تاريخ للوصول إلى عدد دفعات تخرج قادرة على يد الخصاص من الأطباء .

و تنزيلا لمقتضيات هذا التوجه فقد شهدت الفترة الأخيرة إحداث كليات جديدة لتعزيز العرض التكويني، ومن أبرز هذه الإضافات:

كلية الطب والصيدلة بوجدة: تم إحداثها لخدمة المنطقة الشرقية.

كلية الطب والصيدلة بطنجة: لخدمة جهة الشمال.

كلية الطب والصيدلة بأكادير: التي افتُتحت سنة 2016 لخدمة جهة سوس ماسة والجهات الجنوبية. وكلية الطب بالعيون ،و يجري الحديث عن إحداث كليات طب بمناطق اخرى .

بجانب الكليات العمومية، شهدت الفترة نفسها بروز أخرى خاصة، في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوسيع فرص التكوين الطبي. من الأمثلة على ذلك:

الجامعة الدولية للرباط.

الجامعة الخاصة لعلوم الصحة بالدار البيضاء.

هذه المؤسسات الخاصة ساهمت في استيعاب أعداد إضافية من الطلاب، مما ساعد في رفع الطاقة الاستيعابية الإجمالية للتكوين الطبي في المغرب.

وكان من نتائج هذه الاحداثيات ارتفاع عدد المقاعد المفتوحة في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بهدف رفع عدد الخريجين السنوي وإنهاء الخصاص المتوقع في أفق 2035.

هذه الإجراءات تهدف إلى تسريع تزويد القطاع الصحي المغربي بالأطباء، رغم بعض التحديات المتعلقة بالاكتظاظ وجودة التكوين التي يطرحها بعض الفاعلين.

وحسب الأرقام المتوفرة ،فإن الإحصائيات تقول بوجود حوالي 28,000 طبيب في المغرب، منهم حوالي 12,034 طبيبا في القطاع العام (3,857 طبيبا عاما و 7,559 طبيبًا مختصا).

يوجد 5,978 طبيبًا عاما و11,235 طبيبا متخصصا في القطاع الخاص.

يبلغ عدد الممرضين في القطاع العام 31,657 ممرضا. و يوجد حوالي 2028 إداريا و 3773 تقنيا.

تهدف الحكومة إلى رفع عدد الأطباء إلى 45 لكل 10,000 نسمة بحلول عام 2030، مقارنة بـ 17.4 لكل 10,000 نسمة سنة 2022.

ودعونا ننتقل الى المنشآت الصحية بالمغرب ، آخذين بعين الإعتبار إحداث مستشفيات جامعية إلى جانب كليات الطب ،وهو تحدٍ يواجهه المغرب بحنكة في ظل قلة الأطقم التعليمية خاصة المدرسين و بعض التخصصات القليلة .

فقد واصل المغرب بناء المستوصفات و الوحداث الطبية و المستشفيات الجهوية و الإقليمية و المحلية ،لكن كثيرا منها يعاني من نقص في الأطر الطبية و التمريضية زيادة على نقص في التجهيزات و الأدوية . كل هذا حول بعضها الى بنايات مهجورة ،أو نقطة توجيه إلى المستشفيات الإقليمية أو الجهوية . إذ يبلغ عدد المراكز الصحية الحضرية 882 مركزا.و يبلغ عدد المراكز الصحية القروية 1,324 مركزا.

وحسب الاحصائيات المتوفرة يبلغ عدد المستشفيات حوالي 166 مستشفى، بسعة استيعابية تصل إلى 26,678 سريرا.

يوجد 11 مستشفى متخصصا في الأمراض النفسية بسعة 1,506 سريرا.

قامت وزارة الصحة بتشغيل مؤسسات استشفائية جديدة أو معاهد تأهيلية خلال 2023-2024، بسعة إضافية تفوق 2,100 سرير.

أما القطاع الخاص يضم453 مصحة خاصة، توفر 24,845 سريراً.

يوجد أيضاً 14,524 عيادة استشارة طبية.

تتوزع المؤسسات الاستشفائية بالمغرب بشكل غير متوازن كذلك، ففي حين تتوفر بعض المدن على مستشفيات جامعية ومراكز استشفائية كبرى، تفتقر مناطق أخرى إلى بنية تحتية كافية.

المركز الاستشفائي الجامعي: توجد في المدن الكبرى مثل الرباط (ابن سينا)، الدار البيضاء (ابن رشد)، فاس (الحسن الثاني)، ومراكش (محمد السادس).

المستشفيات والمصحات الخاصة: يتركز معظمها في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط، مما يزيد من الضغط على المستشفيات العمومية في الجهات الأخرى.

تفاوت إداري: تُظهر الخريطة الصحية للمغرب أن الجهات الصحية مقسمة إلى 12 جهة، و 82 إقليمًا وعمالة صحية، و 269 دائرة صحية حضرية، و 728 دائرة صحية قروية. لكن هذا التوزيع الإداري لا يعكس بالضرورة التوزيع العادل للموارد البشرية والمنشآت الصحية.

تبعا لذلك ، بلغت نسبة التغطية الصحية في المغرب 70% من السكان في عام 2021. حيث في نفس العام، استفاد 11.6 مليون شخص من التأمين الصحي الإجباري. مع إضافة المستفيدين من نظام التأمين الطبي الإجباري (راميد)، يصل العدد الإجمالي للمؤمن عليهم إلى 22 مليون شخص.

يحتل المغرب المرتبة 91 في التصنيف العالمي للأنظمة الصحية. و نصيب الفرد من الأطباء: كثافة الأطباء تبلغ 7.4 لكل 10,000 نسمة.يبلغ الإنفاق الصحي 5.74% من الناتج المحلي الإجمالي (إحصائية 2021).

وفقًا للبيانات المتاحة، بلغت ميزانية قطاع الصحة في المغرب لسنة 2025 حوالي 32.6 مليار درهم. هذه الميزانية تأتي في إطار الزيادة المستمرة في ميزانية القطاع الصحي، حيث ارتفعت من 19.7 مليار درهم في عام 2021 إلى هذا الرقم في عام 2025، بزيادة تفوق 65%.

هذه الأرقام المتفائلة و التي تبعث على التفاؤل في نفس الآن ،هي أرقام تبرز جهدا مبدولا ،لكنها مع الأسف لا تغطي حجم الخصاص ،لأن الأمر كما أشرنا في بداية المقال يتطلب سنين لتكوين الأطباء.

لكن هناك آفة تنخر القطاع الصحي ببلادنا ،و يتعلق الأمر بالسلوك البشري ، حيث سجل المواطنون معاملات لا إنسانية من الاطقم الإدارية بالمستشفيات ،هنا لا يتعلق الأمر بسلوك عام ،بقدرما يتعلق الأمر بسلوكات فردية هنا وهناك لكنها ما لبتث وان أصبحت عقيدة في مستشفياتنا العمومية ، إهمال و غيابات للتفرغ للعمل بالمصحات الخاصة ، الزبونية في الحصول على المواعد ،المتاجرة في الأدوية و المعدات الطبية ،و رشاوٍ و فساد معاملات …

وأمام تعطل المستشفيات الإقليمية ،تحولت المستشفيات الجهوية إلى بؤر للإكتظاظ و بؤر للموت البطيء بسبب الانتظار في طوابير الموت أو انتظار مواعد بالأشهر دون مراعاة للحالات الطارئة و الاستعجالية،وضع جعل المواطن يفقد الثقة في المستشفيات العمومية ليرتمي في أحضان المصحات الخاصة والتي مع الأسف غالبية الأطباء منها من القطاع العام !!!!

وكما يحدث في التعليم ،يحدث في الصحة ،لكن الفرق أن تكلفة المصحات لا تخضع لأي معيار،و طبعا دون تعميم أو إنكار لدورها في المنظومة الصحية .

إن غضب ساكنة أكادير من مستوى الخدمات الصحية بمستشفى الحسن الثاني ، كان دائما موجودا ومعبرا عنه في البلاغات و المقالات المنشورة و في رسائل النواب و المنتخبين تحت قبة البرلمان وفي المجالس المنتخبة ،لكن أن تموت ست أو ثمان نساء في أقل من شهر بمصلحة الولادة ،فهذا أمر يعيدنا إلى سنوات خلت وقطعنا معها وهي التي كان فيها الحمل مغامرة غير محمودة العواقب.

تماما مثل حالات الوفيات بسبب الأفاعي و العقارب بالقرى في غياب أبسط شروط الإسعافات الأولية في المراكز الصحية القروية.

ظواهر و مشاهد و حالات يصعب تقبل حدوثها في مغرب المونديال ،وفي مغرب السيارات الكهربائية ،وفي مغرب التطور والنمو و الحداثة.

وفي انتظار أن تتخرج الدفعات من خريجي كليات الطب تباعا ،وان يتم إقناعهم بالبقاء ببلادهم خدمة لوطنهم ومواطنيهم ، فإننا لا نملك سوى أن نقلل من حجم الخسائر و نتجهز نحو المستقبل بأمل تحقيق خطة تحسين معدل المرضى من المواطنين لكل طبيب في أفق 2035.

و سيبقى قطاع الصحة الهم الذي يؤرق مسار التنمية بالبلاد و يهدد إلى جانب التعليم السلم الإجتماعي.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: