صوت الأمة:المصطفى دراكي
صادق المجلس الجماعي لمدينة حد السوالم خلال دورة أكتوبر العادية، في جزئها الأول المنعقد يوم الثلاثاء 7 أكتوبر الجاري، على قرار تحويل السوق الأسبوعي إلى سوق يومي حديث، سيقام بتجزئة النصر، ويحتضن بين جنباته الباعة الجائلين، في مسعى حثيث لتحسين البنية التحتية، وتطويق مشاهد العشوائية التي وسمت بعض الأحياء.
قرار ترفرف فوقه أعلام التحديث، وتصفق له الأغلبية المسيرة، باعتباره لبنة جديدة في صرح التنمية المحلية، وخطوة تنشد الرقي والتأهيل، لا سيما أن السوق الحالي يتموقع فوق وعاء عقاري يعود لودادية سكنية، ظل أصحابها منذ سنوات يطالبون بتسليمهم أرضهم، بعدما تحولت من حلم سكني إلى كابوس فوضوي.
لكن، وعلى ضفة أخرى من نهر القرار، تعالت أصوات مشوبة بالحسرة والحنين، معتبرة أن في طيِّ هذا السوق طيٌّ لصفحة من ذاكرة المدينة. فالسوق الأسبوعي، كما يرى الكثيرون، لم يكن مجرد فضاء للبيع والشراء، بل كان موروثا ثقافيا، ومشهدا تراثيا، ومسرحا شعبيا تتلاقح فيه الحكايات وتتصافح فيه الأجيال.
هنا، كانت تعقد الصفقات وتنسج العلاقات، وهنا كان يلتقي تجار المواشي، ومزودو اللحوم الحمراء، والفلاحون القادمون من كل فج عميق. كان السوق نبضا ينبض به قلب المدينة كل أسبوع، يختلط فيه عبق التراب برائحة الزعتر، وتتعانق فيه الأصوات والأنغام، في مشهد قل نظيره في زمن الإسمنت والزجاج.
وبين من يصفق للقرار على أنه خطوة شجاعة نحو الحداثة، ومن يُحذّر من أن يلقى بالتراث في سلة النسيان، تقف حد السوالم اليوم عند مفترق طريق: أيهما أولى؟ الرقي العمراني أم الوفاء للذاكرة الجماعية؟
وهل يمكن للتحديث أن يتسع للتراث، دون أن يلغيه؟ أم أن عجلة التطوير لا تنتظر من يعاند دورانها؟
في النهاية، تبقى الأسئلة معلقة، والإجابات معلقة كذلك على مدى نجاعة المشروع الجديد، وعلى قدرة المجلس الجماعي على الجمع بين مقتضيات الحاضر وروح الماضي، فالتنمية لا تكتمل إلا إذا عانق الإسمنت الطين، واحتضن الغد الأمس دون أن يقصيه.