صوت الأمة : المصطفى دراكي
لم يكن تتويج المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة بكأس العالم ليلة البارحة على حساب الأرجنتين مجرد انتصار رياضي عابر، بل لحظة فارقة أعادت إلى الواجهة سؤال الثقة في الذات الوطنية، وقدرة هذا الوطن على مقارعة الكبار حين تتوفر الرؤية ويستثمر في الإنسان.
لقد عبر الأشبال عن حقيقة راسخة، مفادها أن سقف الطموح المغربي لم يعد محصورا في حدود الممكن الضيقة، ولم يكن الفوز صدفة، لقد كان نتيجة حتمية لتخطيط دقيق، وعمل صامت، وصبر طويل، ورهان على الكفاءة الوطنية الصادقة. كانت النتيجة إنجازا مغربيا خالصا، من الإدارة إلى التأطير، ومن الفكرة إلى التنفيذ.
في هذه التجربة الكروية العالمي دروس تستحق التأمل، أبرزها أن النجاح هو ثمرة جهد جماعي منظم يقوده إيمان صلب بالإمكانات الوطنية. فحين اجتمع الاخلاص والانضباط تحت راية الوطن، تحقق ما كان يبدو بعيد المنال. فهل نحتاج إلى أكثر من هذا الدليل لنفهم أن الاستثمار في الإنسان، حين يرافقه وضوح الرؤية، يصنع المعجزات؟
من حق المغاربة اليوم أن يسائلوا أنفسهم ومؤسساتهم: إذا كنا قد استطعنا تحقيق هذا التتويج العالمي في ميدان كرة القدم، فما الذي يمنعنا من استنساخ الروح ذاتها في ميادين أخرى أكثر ارتباطا بحياة المواطن، كالصحة، والتعليم، والخدمات الاجتماعية؟ الجواب كتبه الأشبال على المستطيل الأخضر: حين نثق في أنفسنا ننجح، وحين نوحد الصفوف حول هدف جامع، نصنع الفرق.
لقد أظهر الشباب المغربي أن الإرادة قادرة على شق الطريق وسط التحديات، وأن الوطن غني بالكفاءات و يحتاج إلى من يؤمن بها، ويراهن عليها، ويوفر لها بيئة العطاء. وهذا ما يجب أن يكون عليه حال السياسات العمومية.
إن اللحظة الكروية التي عشناها منتصف الليل هي دعوة ملحة لإعادة النظر في منوال التنمية، وتوجيه البوصلة نحو بناء مغرب المستقبل، مغرب يرتكز على قيم العمل والجدية والتكافل، ويؤمن بأن الاستثمار في الإنسان هو المدخل الحقيقي لأي تحول مجتمعي شامل.
لقد حان الوقت لأن تتحرر المؤسسات من منطق التدبير التقليدي، وأن تنهل من روح الأشبال الذين أهدوا للمغرب لحظة مجد تاريخية، لنستثمر هذا الزخم الرمزي في إشعال جذوة التغيير، وبناء ثقة جماعية قادرة على قيادة البلاد نحو تنمية عادلة ومستدامة في ظل توجيهات مولوية سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس شفاه الله ونصره.