صوت الأمة: عرفات محسن 
في القانون المغربي رقم 110.14، لا تعترف الدولة بالفيضان ككارثة واحدة الا اذا امتد زمنه الى 504 ساعات متتالية. اكثر من واحد وعشرين يوما. رقم بارد، اداري، منفصل تماما عن واقع المدن الشعبية والهامشية التي تغرق في ساعات، لا في اسابيع.
هذا التحديد الزمني لا يعكس حرصا على حماية السكان، بل يعكس منطق تقنين الضرر وتقليص كلفته. فالدولة لا تسال كم بيتا تهدم كم اسرة شردت كم روحا دفنت تحت الوحل بل تسال كم ساعة استمر المطر.
في الاحياء الفقيرة، لا تحتاج الامطار الى ثلاثة اسابيع لتصير كارثة. ساعات قليلة تكفي لاغراق المنازل الهشة وتعطيل العمل وقطع الطرق وترك السكان وجها لوجه مع العزلة والخوف. ومع ذلك يظل الاعتراف القانوني مؤجلا ومشروطا ومعلقا على عداد زمني لا علاقة له بالمعاناة الاجتماعية.
ان هذا النص لا ينظم الكارثة بل يديرها سياسيا. فهو يجزئ الحدث ويشتت المسؤولية ويخفف العبء المالي عن الدولة على حساب الفئات الشعبية التي لا تملك تامينا ولا شبكات حماية. هنا يصبح القانون اداة طبقية تحمي الميزانية اكثر مما تحمي البشر.
المفارقة ان القانون يمنح 168 ساعة فقط للزلازل رغم انها لحظة واحدة بينما يطالب الفيضانات بثلاثة اضعاف هذه المدة وكأن ارواح الفقراء التي تزهق بالماء اقل وزنا من الارقام في دفاتر الادارة.
ولا يتوقف الاجحاف عند البعد الزمني فقط بل يمتد الى طريقة اتخاذ القرار نفسها. ففي المغرب يظل اعلان الواقعة الكارثية قرارا مركزيا بيد السلطة التنفيذية بعيدا عن الجماعات المحلية والسكان المتضررين. هذا التركيز للقرار في المركز يجعل الاعتراف بالكارثة بطيئا ومحكوما بالحسابات السياسية والمالية لا بالحاجة الاجتماعية العاجلة.
في المقابل يعتمد النظام الفرنسي منطق المحلية. فرئيس البلدية باعتباره الاقرب الى الواقع الميداني هو من يرفع طلب تصنيف المنطقة كمنكوبة استنادا الى معطيات تقنية ومعاينة مباشرة للاضرار. هنا لا تنتظر المعاناة ان تصعد الى المركز بل يفرض الواقع نفسه من الاسفل من الارض من حيث يعيش المتضررون.
هذا الفرق ليس تقنيا بل سياسي بامتياز. مركزية القرار تعني تهميش صوت الضحايا ومحلية القرار تعني الاعتراف بهم كفاعلين لا كارقام. في النموذج الاول يدبر الضرر من فوق وفي الثاني يعترف به من حيث يقع.
في فرنسا لم يربط القانون الكارثة بزمن محدد بل بشدة الظاهرة وحجم الاضرار. لان التجربة اثبتت ان فيضانا من ساعات قد يكون اكثر تدميرا من مطر طويل لكنه محتمل. هناك المعيار هو الاثر الاجتماعي لا الحساب البيروقراطي.
ان الكارثة ليست ظاهرة طبيعية فقط بل نتيجة مباشرة لسياسات عمرانية غير عادلة ولتهميش مزمن ولغياب استثمار عمومي في الوقاية. وحين يغرق الفقراء لا يغرقون بسبب المطر وحده بل بسبب اختيارات اقتصادية وسياسية سابقة.
القانون الذي لا ينحاز للضحايا ينحاز بالضرورة ضدهم. والتشريع الذي يقيس الماساة بالساعة ويحتكر قرار الاعتراف بها في المركز لا يمكنه ان يدعي الدفاع عن الحق في الحياة والكرامة.
