صوت الأمة:
في إطار تخليد السنة الدولية لمحاربة ظاهرة تشغيل الأطفال، التي تم إقرارها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبمناسبة احتفال المغرب باليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال الذي يصادف يوم 12 يونيو من كل سنة، والذي اتخذت له منظمة العمل الدولية هذه السنة كشعار: “لنتحرك الآن من أجل وضع حد لمحاربة تشغيل الأطفال”، يجدر التذكير بأن الإحصائيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية تفيد بأن حوالي 218 مليون طفل تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 سنة يشتغلون، 73 مليون منهم يزاولون أعمالا خطيرة، وهو ما يمثل 4,6% من مجموع الأطفال من نفس الفئة العمرية.
أما على الصعيد الوطني، فقد أظهرت نتائج البحث الوطني حول التشغيل لسنة 2020، انخفاضا ملموسا بنسبة 26,5% في مستوى تشغيل الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 7 و17 سنة مقارنة مع سنة 2019، بحيث من بين ما يزيد عن 7.271.000 طفل من نفس الفئة العمرية، 147.000 يوجدون في حالة شغل، من بينهم 119.000 بالوسط القروي ، حيث يشتغل ثمانية أطفال من بين عشرة كمساعدين عائليين .
ولعل مرد ذلك يرجع الى المجهودات المبذولة إن على المستوى القانوني أو على المستوى المؤسساتي، أو مستوى الشراكة مع المجتمع المدني وحتى على مستوى التعاون الدولي من أجل الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال وما يرافقها من تداعيات سلبية على تكوين وصحة وسلامة الأجيال الصاعدة :
- أولا– على مستوى المنظومة القانونية: واصلت بلادنا الانخراط في المواثيق الدولية والإقليمية ذات الصلة، وملاءمة التشريع الوطني مع مختلف اتفاقيات العمل الدولية التي تعنى بحقوق الطفل، لاسيما الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل واتفاقيات العمل الدولية رقم 138 حول سن ولوج العمل، ورقم 182 حول أسوء أشكال عمل الأطفال ورقم 189 حول العمل اللائق للعاملات والعمال المنزليين.
هذا، مع الاشارة الى إصدار قوانين أخرى، خاصة القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين ونصوصه التطبيقية بما فيها النص الذي يخول بمقتضاه لهذه الفئة من العمال كل التعويضات المنصوص عليها في نظام الضمان الاجتماعي ونظام التأمين الإجباري عن المرض.
وبهدف تكثيف التنسيق مع مصالح رئاسة النيابة العامة لضمان حسن تطبيق أحكام هذا القانون، وتعزيز آليات التنسيق بين السادة قضاة النيابة العامة والسادة مفتشي الشغل، تم إعداد دليل عملي مؤسس لآليات التنسيق بين الجهازين وكذا توقيع اتفاق شراكة في هذا الشأن.
- ثانيا – على المستوى المؤسساتي: قامت الوزارة، عبر تعيين 54 نقطة ارتكاز من بين مفتشي الشغل على صعيد المديريات الإقليمية والجهورية ، من تقوية المراقبة داخل الوحدات الانتاجية المشغلة للأطفال لحملها على احترام تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بعمل الأطفال. كما عملت الوزارة على تكوين مفتشي الشغل حول مقتضيات القانون رقم 19.12 ونصوصه التطبيقية وذلك من أجل ضبط مقتضياته وتوحيد منهجية وطرق تدخلهم، علما بأن هذا القانون قد خول لجهاز تفتيش الشغل المراقبة القبلية للعقد المنشئ للعلاقة التعاقدية وإجراء محاولات التصالح في حالة حدوث نزاع بين طرفي العلاقة الشغلية، هذا بالإضافة إلى تحرير محاضر المخالفات والجنح عند وجودها.
- ثالثا – على مستوى الشراكة مع المجتمع المدني: تم تخصيص مند 2009 غلافا ماليا من ميزانية الدولة لدعم مشاريع الجمعيات العاملة في مجال محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال، وذلك وفق دفتر للتحملات يتضمن شقا خاصا بالعمال والعاملات المنزليين عبر التحسيس بحقوقهم وسحب القاصرين منهم من العمل. وتتم هذه العملية في إطار اتفاقيات شراكة بين الوزارة وعدد من الجمعيات التي يتم انتقاؤها من طرف لجنة مختصة تضم ممثلين عن القطاعات الوزارية المعنية
وقد بلغ عدد الأطفال الذين تم سحبهم، خلال سنتي 2019 و2020، 321 طفلا من العمل أقل من 15 سنة، من بينهم 104 طفلات و12 طفلا تم انتشالهم من العمل المنزلي، و1096 طفلا وطفلة من الأشغال الخطرة تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، من بينهم 122 طفلة و3 أطفال تم انتشالهن من الأشغال الخطرة بالعمل المنزلي.
- رابعا – على مستوى برامج التعاون الدولي: وفي إطار تحقيق الهدف 8.7 من أهداف التنمية المستدامة الذي يدعو إلى الحد من جميع أشكال عمل الأطفال في أفق 2025، والقضاء على العمل الجبري وأشكال الرق الحديثة والاتجار بالبشر بحلول عام 2030، تم اختيار المملكة كبلد “رائد” في مجال محاربة تشغيل الأطفال، وذلك من أجل الوقوف على الطرق والأساليب والبرامج المبتكرة التي ستمكن البلدان الأخرى من الاستفادة من تجاربه لأكثر من عقدين وممارساته الجيدة وتحقيق أقصى قدر من الفعالية بما يتناسب مع المواعيد الاستعجالية المحددة لإنجاز هذا الهدف.
وفي سياق متصل، وبهدف تمكين العاملات والعمال المنزليين من سبل التواصل والولوج إلى آليات الانتصاف، فالوزارة بصدد تتبع تنفيذ مشروع (MAP 16, Maroc) المغرب بتعاون مع مكتب العمل الدولي، والذي مكن من تنزيل خطة التواصل بهدف زيادة تحسيس العموم حول مكافحة تشغيل الأطفال وخاصة في العمل المنزلي، وتعزيز قدرات التدخل والتنسيق لدى الجمعيات العاملة في هذا المجال على مستوى جميع جهات المملكة من خلال تنظيم دورتين تكوينيتين شارك فيها ممثلو عشرين (20) جمعية، سبق لها أن تعاقدت مع الوزارة برسم سنوات 2018 و2019 و2020، نتج عنها مواكبة هذه الجمعيات في إعداد تقاريرها الدورية، وكذا بلورة دليل مسطري لتتبع وتنفيذ مشاريع الشراكة التي تربط الوزارة بالمجتمع المدني وكذا وضع كبسولتين ومطويات لتعزيز التواصل والتحسيس حول الموضوع.
هذا وتجدر الإشارة إلى إحداث موقع تواصلي تحت اسم “التزام” على مستوى الصفحة الرسمية للاتحاد العام لمقاولات المغرب من أجل تحسيس أرباب العمل بأهمية محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال. كما تعمل الوزارة حاليا على الإعداد لتسجيل فيلم وثائقي حول المنجزات في مجال مكافحة تشغيل الأطفال خلال العقدين الأخيرين.
وفي الختام، وبالرغم من هذه الإجراءات والتدابير لمحاربة ظاهرة تشغيل الأطفال، فالمجهودات متواصلة من أجل تنفيذ السياسات العمومية المندمجة المتعلقة بحماية الطفولة.