في مشهد نادر، يُشبه انبلاج الفجر بعد ليل طويل، استقبلت وحدة من القوات المسلحة الملكية، عشية يوم الخميس 24 أبريل 2025، ثلاثة عناصر مسلحة من جبهة البوليساريو بمنطقة “كلتة زمور”، بعدما تقدموا نحو الحزام الأمني بين أم دريكة وكلتة زمور، رافعين رايات بيضاء، ومصطحبين معهم كامل عتادهم الحربي، لكنهم ألقوا به أرضًا كما تُلقى الأحلام الزائفة حين تصطدم بجدار الحقيقة.
كان المشهد أشبه بسقوط ورقة خريفية من شجرة خيانة طالما تنكرت لجذورها، وأرادت أن تسبح ضد تيار التاريخ. مقاتلون، طالما عُرفوا بشراسة العناد، اختاروا هذه المرة السكون والانحناء أمام عاصفة الوعي، معلنين نهاية رحلة في متاهة الوهم.
ليست هذه الخطوة مجرد مشهد عابر في رمال الصحراء، بل دلالة دامغة على تصدع الجبهة الانفصالية من الداخل، وانهيار أسطورة رُوِّج لها طويلاً، حتى سقط قناعها أمام الواقع. فقد بدأت تتكسر داخل مخيمات تندوف أمواج الطاعة العمياء، وتعلو أصوات السؤال، ويُكسر جدار الخوف قطعةً قطعة.
تأتي هذه التطورات في زمن إقليمي مشتعل، تتغير فيه التحالفات، وتُعاد فيه قراءة الخرائط. ومع تصاعد التوتر في المنطقة، يبدو أن رياح التغيير بدأت تهب من عمق اليأس، لتزرع بذور رجوع إلى الوطن، ليس فقط كأرض، بل كحنين، وهوية، وملاذ.
ولعل الأهم من هذا كله، أن الاستسلام هذه المرة لم يكن هزيمة، بل عودة… عودة من التيه إلى اليقين، ومن السراب إلى السراج.