صوت الأمة: هيئة التحرير
تلقّت الجزائر صفعة دبلوماسية موجعة بعد التصريحات المؤيدة لمغربية الصحراء التي صدرت عن جاكوب زوما، الرئيس الجنوب إفريقي السابق وأحد أبرز الزعماء المؤثرين في بلاده، لا سيما داخل أوساط الزولو، كبرى الجماعات العرقية.
ففي أعقاب هذا الموقف الصريح، الذي أحدث رجة في دواليب السياسة الإفريقية، سارعت الجزائر إلى إرسال مبعوثين إلى بريتوريا يوم الأربعاء 15 يوليوز، في محاولة لإطفاء جذوة الدعم المتنامي للمغرب، واحتواء تداعيات التصريحات الزوموية، التي قد تُنذر بانقلاب في ميزان الاعتراف الإقليمي بجبهة البوليساريو.
الجزائر، التي لطالما ألبست موقفها رداء “الدفاع عن تقرير المصير”، وجدت نفسها هذه المرة في موقع الدفاع المرتبك، وهي تراقب تآكل جبهة الدعم الإفريقي التي كانت إلى وقت قريب تقف سدّا منيعا خلف أطروحتها الانفصالية. ولا عجب في ذلك، فالمغرب، بسياساته الإفريقية المتزنة، لم يعد ضيفا على الاتحاد الإفريقي، بل شريكا فعليا وصاحب رؤية اقتصادية وإنمائية تُلهِم القارة.
وقد أبانت الزيارة الأخيرة التي قام بها زوما إلى الرباط، ولقاؤه رفيع المستوى مع المسؤولين المغاربة، عن مدى التحول في نظرة بعض القادة الأفارقة إلى قضية الصحراء، إذ لم يعد شعار “الجمهورية الصحراوية” يجد صدى كما كان في عقود مضت. وبات من المألوف أن تضع العديد من الدول اعترافها السابق بها في خانة “التحفظ التاريخي”، إن لم تُلغِه صراحة.
تشير المعطيات المتوفرة إلى أن الجزائر تخشى اليوم تَسَرُّب الموقف المغربي إلى قلب بريتوريا، خاصة في ظل الصراعات داخل التحالف الحكومي الحاكم منذ انتخابات يوليوز 2024، حيث تتفاقم الخلافات بين حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وشريكه “التحالف الديمقراطي” الذي عبّر عن استيائه بإقالة وزيره، وقاطع الحوار الوطني، مما زاد من هشاشة المشهد السياسي الجنوب إفريقي.
في خضمّ هذا الارتباك، تبدو الجزائر وكأنها تسبح عكس تيارٍ إفريقي لم يعد يقنعه خطاب الشعارات، بل يلهث خلف من يملك أوراق التعاون، والتنمية، والشراكة الصادقة. ولم تعد المنتديات الرمزية التي تنظمها سفارة جنوب إفريقيا في الجزائر كافية لتثبيت موقف متآكل، باتت حتى رواندا، ونيجيريا، وإثيوبيا، وأنغولا تبتعد عنه بخطى واثقة.
شتان بين مغرب يبني تحالفاته على أرضية من المصالح المشتركة والمشاريع القارية، وجزائر ما تزال تراهن على خطاب خشبي متجاوز، وعلى جبهة انفصالية تعاني من تصدعات داخلية ونزيف دبلوماسي متواصل. فالمغرب، ومنذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017، حرص على ألا تكون عودته شكلية، بل مثمرة وفاعلة، عبر رؤية تنموية شاملة، ومقاربات إنسانية، واستثمارات حقيقية في البنى التحتية والأسواق الإفريقية.
إن رياح التغيير تهبّ على إفريقيا، ولن تقف طويلا عند الضفاف القديمة التي تآكلت بفعل الزمن والخطاب البائد. والمغرب، بدبلوماسيته المتزنة، وموقعه الاستراتيجي، وعلاقاته المتنامية مع عمقه الإفريقي، يسير بخطى واثقة نحو ترسيخ شرعيته الترابية على الصعيد القاري، في حين تجد الجزائر نفسها أمام مرآة الواقع، تواجه فيها عزلة متزايدة، ومواقف دول كانت بالأمس سندا، فأصبحت اليوم تتبنى الحياد، أو تلوّح بالمراجعة.
فهل آن الأوان لتُراجع الجزائر حساباتها، وتفك قيدها عن مشروع انفصالي بُني على أوهام؟ أم أنها ستستمر في السباحة عكس التيار حتى تغرق في مستنقع العزلة القارية؟
“من صعد الجبل برفق، بلغ القمة بثبات، ومن أراد القفز فوق الحقيقة، سقط في هاوية الأوهام.”