صوت الأمة:
عبدالعزيز وضاح
في حدود الساعة الثانية عشرة زوالا تلقيت اتصالا من زوجتي تخبرني بأن ابنتي مريضة جدا، ويتوجب نقلها على وجه السرعة إلى الطبيب. كان الخبر ثقيلا على نفسيتي التي انهارت حين رأيتها. كانت شاحبة، مغمضة العينين لا يُسمع منها سوى الأنين.
اتصلت مباشرة بالطبيب الإختصاصي الذي يتابع حالتها منذ مدة، ووجدت أن مداومته الصباحية انتهت، وينبغي الانتظار حتى مداومته المسائية ابتداء من الساعة الرابعة. يا ألله ماذا عساي أن أفعل؟ وكل الأطباء الاختصاصيين أصحاب العيادات الخاصة انصرفوا إلى الغذاء. ليس لي سوى الامتثال لاقتراح زوجتي بالذهاب الى مستشفى محمد الخامس.
وبالفعل، انطلقنا حتى وصلنا إلى المدخل، كان هناك حارس أمن خاص، سألني عن سبب القدوم، أوضحت له الموضوع، فسمح لنا بعد رغي بالدخول.
دخلنا، وفي باب المستعجلات وجدنا حارس أمن ثانيا، أوضحت له هو الآخر سبب وجودنا، فسمح لنا بعد نقاش فارغ بالدخول. ثم وجدنا حارس أمن ثالث في البوابة التي توصل الى بهو المستعجلات، ولم أسلم من استجوابه.
أمام باب مكتب الطبيب المداوم، كان حارس أمن رابع يصرخ في وجه كل من يقترب من الباب، ويأمر الجميع بالابتعاد والانتظار.
بهو المستعجلات مكتظ بالنساء والأطفال والشيوخ. هناك من كان جالسا على كرسي متحرك، ومن يفترش الأرض، ومن يتكئ على الجدران. فليست هناك كراس كافية، والكل في ذهول ينتظر من يقدم لهم أي نوع من المساعدة. ولا أحد.
صدمت لهول مارأت عيناي. تحدثت إلى شخص أعرفه رأيته داخل المستشفى لعله يقدم مساعدة لابنتي التي أراها في حالة حرجة، وينبغي أن تتلقى الإسعافات الأولية. فأرشدني إلى طبيب داخل المستشفى، وأوصاني بأن أخبر الطبيب بأنني من طرفه. وفعلا توجهت عن طريق حارس أمن الى الجناح الآخر حيث يوجد الطبيب. وهناك كانت الكارثة أكبر.
مرضى منتشرون هنا وهناك، أغلبهم يفترشون الأرض، والازدحام كبير. كأن مكناس كلها مريضة اليوم، ولا وجود لمن يداويها.
كان منظرا محزنا، وتساءلت: هل سبب المأساة قلة الأطر الطبية أم انعدام الإنسانية؟
وصل دوري بعد مدة لرؤية الطبيب، وقلت له: ابنتي في حالة حرجة، وأضفت: أنا من طرف فلان. لم يبد أي اهتمام، وقال لي غاضبا: ما كنعرف حتى واحد، كنعرف غير الأوراق. فتوسلت إليه: أرجوك يا دكتور، بنتي في حالة حرجة. لم يتأثر، وطلب مني المغادرة.
كيف يعقل ان أغادر وابنتي في هاته الحالة، والطبيب أمامي لم يكلف نفسه حتى معاينة حالتها؟ أليست ابنتي شخصا في حالة حرجة يحتاج إلى مساعدة طبقا للقانون؟ ألم يؤد هذا الطبيب القسم؟
لم يترك لي الطبيب المجال لأتحدث، دفعني حارس الأمن بلطف إلى الخارج، وأنا لا أصدق أن الوضع بمستشفى محمد الخامس بمكناس وصل إلى هذا المستوى الكارثي على جميع المستويات، من الاستقبال إلى سوء المعاملة إلى غياب الأطر التمريضية والطبية.
خرجت من المستشفى، ولم أتمكن من معالجة فلذة كبدي الذي مزقني أنينها وتألمها وأنا قليل الحيلة. فهرعت أبحث عن طبيب اختصاصي عساي أجده وأنا اتألم وزوجتي تبكي. وفي النهاية اكتفيت بطبيب للطب العام، الذي قام بما يلزم ليطمئنني في انتظار أخذها إلى الطبيب الذي يتابع حالتها.
هل يعلم السيد وزير الصحة بهذا الوضع في مكناس؟ ألا نستحق مستشفى عموميا يصون كرامة المواطن، لا يكرس سياسة التهميش والتحقير واللامبالاة؟ ألا نستحق ملائكة الرحمة عوض حراس الأمن الخاصين الذين يصرخون في وجوه المرضى الذين لاحول ولا قوة لهم سوى الانين؟
كم أنت غير مبال أيها الوزير، وكم أنت قاس علينا يا وطني!