صوت الأمة
بعد عقدين من الزمن على صليل السيوف في أرض الرافدين، يعود الجنرال مايكل كوريلّا إلى واجهة الأحداث، لا كقائد جندي في رمال العراق، بل كصانع قرار في عواصف الشرق الأوسط المتجددة، يقود أوركسترا النار والحديد من موقعه في القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم)، حيث تتداخل الجغرافيا بالجيوبوليتيك، وتتعانق الحرب بالقرار.
كوريلّا، الرجل الذي وُصفته صحيفة التليجراف البريطانية بأنه “الجنرال المفضل لدى إسرائيل”، لم يكن يوما مجرد ترس في آلة الحرب، بل أصبح عقلاً يديرها، وجسداً يرمز إلى صلابتها. ولعلّ لقب “الغوريلا مفتولة العضلات” الذي التصق به، ليس فقط توصيفًا لبنيته الجسمانية، بل تعبير مجازي عن حضوره الطاغي في مراكز القرار العسكري، وعن شهيته المفتوحة لخوض غمار الأزمات.
ففي زمن التردد، اختار كوريلّا الحسم. وفي وقت تريّث فيه صناع القرار في البنتاغون، اختار هو دفع بوصلة الرد الأميركي نحو الشرق، حيث يتصاعد لهيب الصراع بين إيران وإسرائيل، وتتشابك الأيادي في معركة النفوذ والمصالح.
لقد منحه وزير الدفاع الأميركي صلاحيات تتجاوز المألوف، لتحديد طبيعة وشكل الرد الأميركي على ما يُوصف بـ”الاستفزازات الإيرانية”. ووفقًا لمصادر متعددة نقلتها مواقع بوليتيكو وأكسيوس، تجاوز كوريلّا توصيات بعض كبار المسؤولين في وزارة الدفاع، فحصل على الضوء الأخضر لتعزيز القدرات الجوية والبحرية في المنطقة، مضيفا أجنحة نسر إلى جسد العملاق الأميركي المتحفّز.
في المقابل، لم يُخفِ بعض القيادات تحفظاتهم. فالجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، حذّر من “الغرق في مستنقع الشرق”، فيما أعرب إلبريدج كولبي، رأس السياسة الدفاعية، عن قلقه من فتح جبهة قد تستنزف واشنطن في وقت تحتاج فيه لتركيز بوصلة استراتيجيتها نحو آسيا.
لكن كوريلّا، بروح المحارب القديم، لم يُعر التحذيرات كثير اعتبار. فبين دفتي قراراته، يتردد صدى معاركه السابقة في العراق وأفغانستان، ويظهر إيمانه العميق بأن الردع لا يُبنى بالكلمات، بل بتشكيلات الطائرات، وصواريخ الباتريوت، وهدير حاملات الطائرات التي بدأت تُبحر نحو المشرق.
وقد أصبح جليًا، مع تصاعد التوترات، أن خيوط المسرح تتحرك بأصابعه. فكلما ارتفع دخان التصعيد، ارتفعت أسهم كوريلّا داخل دوائر القرار، حتى غدا في نظر البعض “مهندس المواجهة القادمة”، إنْ كُتب لها أن تندلع.
بين الدبلوماسية الحذرة والعسكرية الجازمة، يقف الجنرال كوريلّا كحد السيف، يشقّ الغموض، ويكتب سيناريوهات الأيام القادمة، حيث لا صوت يعلو فوق طبول الحرب، ولا قرار يُتخذ إلا ومضى على مكتبه أولا.
إنّ حضور كوريلّا في هذا المنعطف التاريخي لا يختزل مجرد عودة لجنرال إلى دائرة الضوء، بل يمثل لحظة تحول في الاستراتيجية الأميركية بالشرق الأوسط، حيث قد تصبح خطواته الميدانية هي التي ترسم حدود النار، وتكتب فصول المواجهة المقبلة… أو تهديء العاصفة قبل أن تعصف بالجميع.