أخر أخبار

ترامب يشعل فوهة العالم من بوابة إيران”

22 يونيو 2025
A+
A-

صوت الأمة: المصطفى دراݣي

استيقظ الشرق على رعشة نووية لم يشهد مثلها منذ غروب شمس هيروشيما. ففي الساعات الأولى من صباح الأحد، أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن تنفيذ ضربات جوية خاطفة استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية، هي فوردو ونطنز وأصفهان، في ما وصفه بـ”الهجوم الناجح للغاية”.

هكذا، بعباراتٍ منمّقة وعبارات تهنئة لجيشه “العظيم”، صاغ ترامب مشهدا دراميّا من نار ودمار، متجاهلا تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنذرا بعصرٍ جديد من الفوضى النووية في قلب الشرق الأوسط.

في منشور مثير عبر منصة “تروث سوشيال”، تباهى ترامب بإتمام المهمة، مؤكدا أن طائراته الحربية انسحبت من الأجواء الإيرانية بسلام، بعد أن ألقت “حمولتها الكاملة من القنابل” على موقع فوردو الشديد التحصين، والذي قالت مصادر استخباراتية لاحقا إنه “دُمر بالكامل”.

ومع كل حرف كتبه، كان صدى الانفجار يتردد في أسماع العواصم الكبرى، وتترنح له ميزانيات الأمن الإقليمي.

لقد اختارت الولايات المتحدة أن تحاور طهران بـ”قنبلة تخاطب الخرسانة”، بدلا من لغة الدبلوماسية، مستخدمة القاذفة الشبحية B-2، وحاملة في رحمها قنبلة GBU-57 التي توصف بـ”السفّاحة الصامتة”. إنه حديث الحديد لا الكلمات، وحديث القوة لا المنطق.

تحت وابل الانفجارات، رفرفت رايات التهاني على لسان ترامب، الذي اختتم منشوره بعبارة “الآن هو وقت السلام”، وكأن دمار المنشآت ومخاوف الانبعاثات الإشعاعية قد يصبح تمهيدا لسلام قادم من بين ركام. أيّ سلام هذا الذي يجيء على أجنحة الدمار؟ وأيّ منطقٍ يبرر قصف الذرّة بذريعة درء شرّها؟

تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تجد صدى في آذان صانعي القرار في واشنطن. فقد قال رافائيل غروسي، رئيس الوكالة، بصوتٍ متهدّج أمام مجلس الأمن: “إن الهجوم على منشآت نووية هو لعبٌ بالنار النووية، ولا ينبغي السماح به تحت أي ذريعة”.

لكن يبدو أن صوت العاقل لا يسمع في صخب الطائرات الحربية، ولا يُترجم في زمن الاستعراض الانتخابي والمزايدة السياسية.

المثير للجدل، أن هذه الهجمات نُفذت بتنسيقٍ “كامل” مع إسرائيل، وفقًا لتقارير أمريكية وإسرائيلية متطابقة. وكأنّ الشرق الأوسط صار حقل تجارب مشتركا، يُحرّك على رقعته لاعبان، بينما البقية تكتفي بمراقبة شطرنج الموت بصمت.

فهل باتت أرواح الشعوب وقودًا لتفاهمات عسكرية سرّية؟ وهل كُتب على المنطقة أن تعيش تحت كابوس القنابل الذكية، والتهديدات النووية، كلما أرادت واشنطن اختبار عضلاتها أو تل أبيب تصفية حساباتها؟

في المقابل، لم تبقَ طهران صامتة. فقد خرج وزير خارجيتها، عباس عراقجي، ليحذر من أن التدخل الأمريكي “خطير للغاية على الجميع”. رسالة مشفّرة تقول فيها إيران للعالم: من يشعل فتيل الذرّة، قد لا ينجو من نيرانها.

ورغم ذلك، يبقى الموقف الإيراني محكومًا بلعبة التوازنات. فلا هي قادرة على تجاهل الضربة، ولا هي راغبة في فتح بوابة الجحيم الشامل. فكل خطوة تزنها بميزان الدم والتاريخ، وهي تعلم أن الردّ إن جاء، فسيكون مختلفا عن المألوف، وربما يخط حروفًا جديدة في سفر الصراع العالمي.

ما حدث ليس مجرد هجوم جوي، بل هو اختراق صريح لأعراف الحرب، وقرع لأجراس الخطر في زمن تتكاثر فيه الأزمات وتتكاثر معه احتمالات الانفجار.

إنّ التاريخ لا يُكتب بالرصاص فقط، بل يُنقش بذاكرة الشعوب التي تدفع ثمنا باهظا كلما طغى جنون القوة على حكمة العقل.

فهل يتدارك العالم خطورة الانزلاق نحو هاوية نووية؟

أم أن التاريخ سيعيد نفسه، ولكن هذه المرة بنكهة ذرية لا نجاة منها؟

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: