صوت الأمة: المصطفى دراݣي
في خطوة طال انتظارها، أعلنت وزارة النقل واللوجستيك، عبر ذراعها التنظيمي الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا”، عن إطلاق حزمة من الإجراءات التنظيمية الجديدة، هدفها تقويم الاعوجاج، وردع الانفلات، والسمو بقطاع تعليم السياقة من واقع الفوضى إلى رحاب النظام والانضباط. وقد جاءت هذه المبادرة الجريئة لوضع حدّ للمضاربات السعرية والممارسات العشوائية التي لطالما أثقلت كاهل المترشحين وأضرّت بصورة القطاع في الوجدان العام.
وتندرج هذه القرارات في إطار رؤية إصلاحية شاملة تروم ترسيخ مبادئ الشفافية، وتعزيز المنافسة النزيهة، وضمان حقوق كافة الأطراف المعنية، من مترشحين ومؤسسات. كما تهدف إلى تحسين جودة التكوين، والرفع من كفاءة السائقين الجدد، مساهمةً في تحقيق السلامة الطرقية، وتأمين المسالك والمسارات.
وقد استندت “نارسا” في بلاغها الرسمي إلى مقتضيات القانون رقم 116.14 المتعلق بعقود التكوين، محددةً بدقة الأسعار المعتمدة وعدد ساعات التكوين النظري والتطبيقي، لمختلف أصناف رخص السياقة، من “A1” و”A” إلى “EC” و”ED”. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم تحديد السعر الإجمالي لتكوين رخصتي “A1” و”A”، اللتين تُعدّان من بين الأكثر طلبًا، في مبلغ 2100 درهم، يتوزع على 20 ساعة من التكوين النظري بسعر 42 درهمًا للساعة، و20 ساعة من التكوين التطبيقي بسعر 63 درهمًا للساعة، في مقاربة تزاوج بين العدالة والجودة.
ولأن التنظيم بلا رادع لا يثمر، فقد تضمّن البلاغ تحذيرًا شديد اللهجة للمؤسسات التي تسوّق عروضًا وهمية بأثمنة متدنية، خارقةً بذلك الأسعار المحددة. وقد اعتبرت الوكالة هذه الممارسات ضربًا من التضليل، وإضرارًا بجودة التكوين، وخيانة لروح المنافسة الشريفة، وإجحافًا في حق المؤسسات الملتزمة بالقانون. وأكدت في السياق ذاته عزمها على تفعيل آلية المراقبة الميدانية، واتخاذ الإجراءات التأديبية في حق كل من تسوّل له نفسه المساس بحرمة التنظيم الجديد.
ومن بين أبرز المستجدات التي حملتها هذه الحزمة الإصلاحية، أصبح من حق كل مترشح توقيع عقد تكوين مع المؤسسة المختارة، يحدد بشكل دقيق عدد ساعات التكوين وتكلفتها، ما يعزز مبدأ الشفافية، ويقي المترشح من الوقوع في شرك الاستغلال والغموض.
أما على صعيد التحول الرقمي، فقد أزاحت “نارسا” الستار عن منصة إلكترونية حديثة أطلقت عليها اسم “Perminou”، تمكّن المترشحين من متابعة مسار تكوينهم والاطلاع على بياناتهم الشخصية، في خطوة ترسّخ لثقافة الحوكمة الرقمية، وتجعل من الرقمنة حارسًا أمينًا لمبادئ الشفافية والنجاعة.
وفي المحصلة، فإن هذا الورش الإصلاحي لا يُعدّ مجرد ضبط للأسعار أو تقييد للعشوائية، بل هو مسار تصحيحي يروم إرساء قواعد جديدة لقطاع تعليم السياقة، بما يليق بمكانة المملكة ويستجيب لتطلعات مواطنيها. إنه إصلاح بلسان القانون، وروح المسؤولية، وعينٍ ترنو إلى طرقات أكثر أمانًا، وسائقين أكثر كفاءة، ووطن أكثر نظامًا.