صوت الأمة: متابعة عن القلم المسموم
في الوقت الذي تتخبط فيه ساكنة الساحل أولاد احريز بين طرقات مهترئة كأنها شرايين قطعت عنها الحياة، ومستوصفات غائبة كأنها سراب في صحراء، وسوق أسبوعي بائس أشبه بمسرح للفوضى واللامبالاة؛ يطلّ علينا المجلس الجماعي بذخا ومباهج تحت شعار: “الخيايطة.. تراث يتجدّد”.
فأيُّ تجديد يرتجى، والواقع يزداد قتامة؟ وأيُّ تراث يبعث، والأسر تنوء تحت ثقل المعيشة؟ أليس التجديد الحق هو تعبيد الطرقات بدل تركها قنابلَ من الحفر؟ أليس إحياء التراث الحقيقي هو إنعاش التنمية لا إنعاش السهرات؟
لقد تحوّل المجلس، للأسف، إلى راع للحفلات بدل أن يكون راعيا لشؤون المواطنين. ضخّ أموالا طائلة في جيوب بعض الفرق الغنائية، بينما ترك شباب المنطقة عاطلين يطاردون الأمل كما يطارد الغيم ماء لا يهطل. فهل التراث هو طرب عابر، أم مشاريع باقية؟ هل التراث هو صخب ليال ماجنة، أم صوت مدرسة تبنى، ومستشفى يفتح، وطريق يعبّد؟
إنها مفارقة صارخة: مجلس يرفع شعار التجديد، بينما يغرق في جمود التدبير؛ مجلس يلهث وراء الأضواء، بينما يعتم عن أعين الناس أبسط حقوقهم. أليس الأجدر بهذه الجماعة، وهي من أغناها موارد، أن تستثمر في الإنسان قبل اللهو، وفي البنية التحتية قبل الخشبة الموسيقية؟
والحق أن هذا المهرجان يحتاج إلى آلة قياس للتسيير، قبل أن يحتاج إلى مكبرات الصوت. فالتدبير ليس زينة، بل مسؤولية؛ والسياسة ليست طبلا يدوّي، بل وعدا يوفى.
فيا أيها المجلس: جددوا أولا عهود التنمية، قبل أن تجددوا أنغام الطرب؛ وازرعوا الأمل في قلوب شبابكم، قبل أن تنثروا المال على سهراتكم؛ عندها فقط، سيحق لنا أن نقول: الخيايطة تراث يتجدد.